بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا﴾.[1]
الخطاب لعسكر رسول الله - صلّى الله عليه وآله - المؤمنين منهم والمنافقين. والمبطئون منافقوهم، تثاقلوا وتخلّفوا عن الجهاد. من بطأ، بمعنى: أبطأ. وهو لازم. أو ثبّطوا غيرهم، كما ثبّط ابن أُبيّ ناسا يوم أحد.
فالتبطيء هي كثرة الإبطاء المتواتر لأنفسهم وسواهم، فهناك تبطئ عن أخذ الحذر والنفر ثبات أو جميعا حذر الموت في المعركة، ورغم النفر العام إليها، وهنا التبطيء دون البطيء لتشمل بطوء المتثاقلين - إلى الأرض عن أرض المعركة - أنفسهم، والذين يبطّئون من سواهم كما هم يبطئون.
﴿لَّيُبَطِّئَنَّ﴾، من الدّقة في تصوير المعنى ما لا يخفى وتعتبر من الوجهة البلاغيّة في أعلى درجات الفصاحة؛ فإنّ في هذه الصياغة تستفاد الصورة الكاملة من اللفظ والمعنى لعمليّة الإبطاء المتتابعة.
فهي صيغة مختارة سائغة لأداء معناها بكامله، جامعة جرس اللفظ إلى جرس المعنى، تصويرا لحركة نفسية معاكسة على القتال في سبيل الله، تعثّرا وتثاقلا من المتخاذلين المثبطّين عن القتال، ولا فحسب أنفسهم، بل وأنفس الآخرين المتثبطين بهم، الماشين معهم. وهنا التأكيدات الأربع: «إن - لمن - ليبطئن» هي القواعد الأربع لصرح تثبيطهم عن القتال، مما يقربها إلى كتلة النفاق العارم. إنهم يبطئون متلكئين ولا يصارحون، ليمسكوا العصا من وسطها، جلبا للربح وبعدا عن الخسارة، وهم لا يخجلون من مقالتهم هذه القالة: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً﴾، حيث يحسبون هذه النجاة مع التخلف نعمة منسوبة إلى الله حيث تخلفوا عن أمره، ويكأن الله ينعم على المتخلفين وينقم على المطيعين! وليس شمول خطاب الإيمان للمبطئين إلاّ مسايرة معهم ومجاراة، أم إنهم أو منهم من هم ضعفاء الإيمان، مهما كان منهم منافقون. وهؤلاء المبطؤون ناظرون مصير النافرين.
وبتعبير آخر ﴿وإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾، التأكيد يدلّ على التعمّد في البطء لئلاّ يقع في المصيبة وفي ذيل الآية دليل على أنّ المبطّئ ليس من المؤمنين «لأنّ المؤمن إن أبطأ عن الجهاد لا يقول: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً﴾، وأمّا قوله تعالى: ﴿مِنْكُمْ﴾، أي «هم منكم في الحال الظاهرة أو في حكم الشريعة»، وهو على حدّ قوله: ﴿..وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ..﴾[2]، و«في قوله تعالى: ﴿وإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾، من الدّقة في تصوير المعنى ما لا يخفى وتعتبر من الوجهة البلاغيّة في أعلى درجات الفصاحة؛ فإنّ في هذه الصياغة تستفاد الصورة الكاملة من اللفظ والمعنى لعمليّة الإبطاء المتتابعة».
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا﴾، بدل أن يقول: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، ولا بدّ عليه من أن يحزن لما أصاب المسلمين ولا أقلّ من ألا يعدّ توقّيه من المصائب نعمة الله عليه، وقد ذكر اهل التفاسير المتقدمين أحاديث شريفة تلل على عدة معاني لهذه الآية منها:-
ما رُوِيَ عن الصادق عليه السّلام قال: أَبُو عَلِيٍّ اَلطَّبْرِسِيُّ ، وَقَالَ اَلصَّادِقُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ((لَوْ أَنَّ أَهْلَ اَلسَّمَاءِ وَاَلْأَرْضِ قَالُوا: قَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيْنَا إِذْ لَمْ نَكُنْ مَعَ رَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، لَكَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ))[3].
وروى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ اَلصَّادِقُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ((وَاَللهِ لَوْ قَالَ هَذِهِ اَلْكَلِمَةَ أَهْلُ اَلْمَشْرِقِ وَاَلْمَغْرِبِ لَكَانُوا بِهَا خَارِجِينَ مِنَ اَلْإِيمَانِ، وَلَكِنَّ اَللهَ قَدْ سَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ بِإِقْرَارِهِمْ))[4].
ورُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ((أَنَّ اَلْمُرَادَ بِالثَّبَاتِ: اَلسَّرَايَا، وَبِالْجَمِيعِ: اَلْعَسْكَرُ))[5].
[1] سورة النساء، الآية: 72.
[2] سورة التوبة، الآية: 101.
[3] تفسير كنز الدقائق، ج 3، ص 472.
[4] تفسير البرهان، ج 2، ص 128.
[5] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 516.