بسمه تعالى وله الحمد
وصلاته وسلامه على الحبيب المصطفى وآله الهداة النجباء
قصّة من قصص القرآن تتجلى فيها معاني تربوية واجتماعية عظيمة , عبر ما تحكيه لنا من أدب وتوجيه ومنهج
اراد لنا الله سبحانه وتعالى ان ننتهجه ونسير فيه .
تلك القصة او الحوارية يحكيها لنا القرآن عن داود ( عليه السلام ) بقوله :
{ وَهَلْ أَتَاك نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الِْمحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْض فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَطِ (22)إِنَّ هَـذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّـهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24)فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مئَاب (25) } سورة / ص
ونحن هنا لسنا بصدد شرح وتفسير الايات وانّما نأخذ منها ذلك الدرس الاجتماعي الكبير الذي ارات ان
تُوصله لنا عبر الموقف الذي مرَّ به داود (عليه وعلى نبينا سلام الله) .
على أيّة حال، فرغم أنّ داود (عليه السلام) كان محاطاً بأعداد كبيرة من الجند والحرس، إلاّ أنّ طرفي النزاع تمكّنا- من طريق غير مألوف- تسوّر جدران المحراب، والظهور أمام داود (عليه السلام) فجأةً، ففزع عند رؤيتهما، إذ دخلا عليه بدون إستئذان ومن دون إعلام مسبق، وظنّ داود (عليه السلام) أنّهم يكنّون له السوء، (إذ دخلوا على داود ففزع منهم).
إلاّ أنّهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه، وقالا له : لا تخف نحن متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر (قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض).
فاحكم الآن بيننا ولا تتحيّز في حكمك وأرشدنا إلى الطريق الصحيح (فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط).
فتقدّم أحدهما وطرح المشكلة على داود، وقال: هذا أخي، يمتلك (99) نعجة، وأنا لا أمتلك إلاّ نعجة واحدة، وإنّه يصرّ عليّ أن أعطيه نعجتي ليضمّها إلى بقيّة نعاجه، وقد شدّد عليّ في القول وأغلظ (إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزّني في الخطاب).
ومعنى ذلك : إجعلها لي وفي ملكيتي وكفالتي، أي إمنحني إيّاها .
وهنا التفت داود (عليه السلام) إلى المدّعي قبل أن يستمع كلام الآخر (كما يوضّحه ظاهر الآية) وقال: من البديهي أنّه ظلمك بطلبه ضمّ نعجتك إلى نعاجه (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه).
وهذا الأمر ليس بجديد، إذ أنّ الكثير من الأصدقاء والمخالطين بعضهم لبعض يبغي على صاحبه، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم قلّة : (وإنّ كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) .
وهنا كان السؤال :
كيف لداود (عليه السلام) ان يحكم بدون ان يستمع من الطرف الاخر ؟
يقول علماء التفسير :
ان آداب مجلس القضاء تفرض على داود أن يتريّث في إصدار الأحكام ولا يتعجّل في إصدارها، وكان عليه أن يسأل الطرف الثاني أيضاً ثمّ يحكم بينهما، فلذا ندم كثيراً على عمله هذا، وظنّ أنّما فتنه الباري عزّوجلّ بهذه الحادثة (وظنّ داود أنّما فتنّاه).
وهنا طلب داود(عليه السلام) العفو والمغفرة من ربّه وخرّ راكعاً تائباً إلى الله العزيز الحكيم (فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب).
الدرس الاخلاقي والاجتماعي :
علينا ان لا نتسرع باطلاق الاحكام وان نتريث في كل حكم نطلقه
فمهما تكن ظواهر الاحداث واضحة علينا ان نبحث عن دقائق الامور خوفاً من الوقوع في المحذور .
علينا ان نكون منصفين وان لا تميل بنا الاهواء ولا نشطط عن الحق ونبتعد عن الحكم به .
لزوم الصمت خيرٌ من مجانبة الصواب والحق .
التعامل بحذر وجدية ومحاسبة النفس ومراقبة تصرفاتنا يجب ان لا يغيب عن اذهاننا .
الاعتراف بالخطأ وأداركه بفعل الصحيح والصواب .
نسأل الله الهدى والتقى والسير على صراطه المستقيم .