التحقيق الأول : للسيد الخوئي قدس سره ذكره في معجم رجال الحديث - ج ٢٤ - الصفحة ٢١٩ وقد قوّى وجود مرقدها عليها السلام في دمشق ، وهذا ما كتبه :
[ زينب بنت علي عليه السلام : روت عن أمها سلام الله عليها ، وروى عنها جابر ، الفقيه : الجزء 3 ، باب معرفة الكبائر ، الحديث 1754. وروى عنها عباد العامري ، ذكره في المشيخة : في طريقه إلى إسماعيل بن مهران .
أقول : إنها شريكة أخيها الحسين عليه السلام في الذب عن الاسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدها سيد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنها تفرغ عن لسان أبيها ، وتراها في الثبات تنئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبارة، ولا تخشى غير الله سبحانه تقول حقا وصدقا ، لا تحركها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقا هي أخت الحسين عليه السلام وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده .
وقد نقل عن البعض انه يحتمل وجود قبرها في البقيع في المدينة المنورة وهذا القول فيه مجانبة عن الصواب و البحث العلمي كون مدفنها الطاهر في البقيع في المدينة المنورة لانه وطنها الكريم و بها قبور إخوتها وشيوخ قومها وجدها وأمها ولكن بشرط أن يقوم عليه دليل قاطع أو نصٍ تاريخي .
لأن قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديماً وحديثاً يذكرها ابن النجار في ( تاريخه) ، و السمهودي في تاريخه الحافل ( وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى) في باب مخصوص لذكر مزارات أهل البيت والصحابة ولا نجد فيها قبر العقيلة زينب لا في القبور المعمورة ولا المطموسة .
ولكان لمرقدها ذكر ولو في القرون الأولى كما بقي لمن دونها في الرتبة من بني هاشم بل ولمن يمت إليهم بالولاء أيضاً .
على أن الذين ذهبوا إلى هذا القول انما مستندهم الإستصحاب الأصولي وهو أنه ثبت أن العقيلة زينب دخلت المدينة بعد محنة أخيها ورجوعها من الشام وكانت بالمدينة في قيد الحياة ثم شككنا هل ماتت في الشام أم لا ؟ فالاستصحاب يقول: الأصل عدم موتها بالشام بل بالمدينة حتى يحصل لنا شيء يزيل هذا الشك ويثبت لنا باليقين أنها ماتت بالشام .
وهذا الدليل لا غبار عليه في نفسه ولكن لا يستدل بمثله في القضايا التاريخية ، ولو قلنا به فثبت ما أزال هذا الشك بما رواه ابن طولون الدمشقي من ذهابها إلى الشام وموتها بها وعليه أكثر الفقهاء المجتهدين الأصوليين .]
التحقيق الثاني : للسيد محسن الأمين قدس سره في كتابه أعيان الشيعة ج٧ ص١٤٠ حيث ذهب الى أن مدفنها سلام الله عليها في المدينة المنورة ، فقال :
[ محل قبرها : يجب ان يكون قبرها في المدينة المنورة ، فإنه لم يثبت انها بعد رجوعها للمدينة خرجت منها وإن كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالبقيع وكم من أهل البيت أمثالها من جهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصاً النساء . وفيما الحق برسالة ( نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين في النجف وكربلا ) المطبوعة بالهند نقلاً عن رسالة ( تحية أهل القبور بالمأثور ) عند ذكر قبور أولاد الأئمة ع ما لفظه : ومنهم زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ع وكنيتها أم كلثوم قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبد الله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة فماتت زينب هناك ودفنت في بعض تلك القرى هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك وغيره غلط لا أصل له فاغتنم ، فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا العشواء .. وفي هذا الكلام من خبط العشواء مواضع :
أولاً / أن زينب الكبرى لم يقل أحد من المؤرخين انها تكنى بأم كلثوم ، فقد ذكرها المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم ولم يقل أحد منهم انها تكنى أم كلثوم بل كلهم سموها زينب الكبرى وجعلوها مقابل أم كلثوم الكبرى ، وما استظهرناه من أنها تكنى أم كلثوم ظهر لنا أخيرا فساده كما مر في ترجمة زينب الصغرى .
ثانياً / قوله قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر ليس بصواب ولم يقله أحد ، فقبر عبد الله بن جعفر بالحجاز ، ففي عمدة الطالب والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وغيرها انه مات بالمدينة ودفن بالبقيع وزاد في عمدة الطالب القول بأنه مات بالأبواء ودفن بالأبواء ولا يوجد قرب القبر المنسوب إليها براوية قبر ينسب لعبد الله بن جعفر .
ثالثاً / مجيئها مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام سنة المجاعة لم نره في كلام أحد من المؤرخين مع مزيد التفتيش والتنقيب وإن كان ذكر في كلام أحد من أهل الاعصار الأخيرة فهو حدس واستنباط ، كالحدس والاستنباط من صاحب التحية فان هؤلاء لما توهموا ان القبر الموجود في قرية راوية خارج دمشق منسوب إلى زينب الكبرى وإن ذلك امر مفروع منه مع عدم ذكر أحد من المؤرخين لذلك استنبطوا لتصحيحه وجوها بالحدس والتخمين لا تستند إلى مستند ، فبعض قال إن يزيد عليه اللعنة طلبها من المدينة فعظم ذلك عليها فقال لها ابن أخيها زين العابدين ع انك لا تصلين دمشق فماتت قبل دخولها وكانه هو الذي عدّه صاحب التحية غلطاً لا أصل له . ووقع في مثله وعدّه غنيمة وهو ليس بها وعد غيره خبط العشواء وهو منه فاغتنم ، فقد وهم كل من زعم أن القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى زينب الكبرى ، وسبب هذا التوهم ان من سمع ان في راوية قبراً ينسب إلى السيدة زينب سبق إلى ذهنه زينب الكبرى لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ، فلما لم يجد اثراً يدل على ذلك لجأ إلى استنباط العلل العليلة . ونظير هذا ان في مصر قبراً ومشهداً يقال له مشهد السيدة زينب وهي زينب بنت يحيى وتأتي ترجمتها والناس يتوهمون انه قبر السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ع ولا سبب له الا تبادر الذهن إلى الفرد الأكمل وإذا كان بعض الناس اختلق سبباً لمجئ زينب الكبرى إلى الشام ووفاتها فيها فما ذا يختلقون لمجيئها إلى مصر وما الذي اتى بها إليها ..! لكن بعض المؤلفين من غيرنا رأيت له كتاباً مطبوعاً بمصر غاب عني الآن اسمه ذكر لذلك توجيهاً بأنه يجوز ان تكون نقلت إلى مصر بوجه خفي على الناس . مع أن زينب التي بمصر هي زينب بنت يحيى حسنية أو حسينية كما يأتي ، وحال زينب التي براوية حالها .
رابعاً / لم يذكر مؤرخ ان عبد الله بن جعفر كان له قرى ومزارع خارج الشام حتى يأتي إليها ويقوم بأمرها وانما كان يفد على معاوية فيجيزه فلا يطول امر تلك الجوائز في يده حتى ينفقها بما عرف عنه من الجود المفرط فمن أين جاءته هذه القرى والمزارع وفي اي كتاب ذكرت من كتب التواريخ .
خامساً / ان كان عبد الله بن جعفر له قرى ومزارع خارج الشام كما صورته المخيلة فما الذي يدعوه للاتيان بزوجته زينب معه وهي التي اتي بها إلى الشام أسيرة بزي السبايا وبصورة فظيعة وأدخلت على يزيد مع ابن أخيها زين العابدين وباقي أهل بيتها بهيئة مشجية فهل من المتصور ان ترغب في دخول الشام ورؤيتها مرة ثانية وقد جرى عليها بالشام ما جرى وان كان الداعي للاتيان بها معه هو المجاعة بالحجاز فكان يمكنه ان يحمل غلات مزارعه الموهومة إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز ما يقوتها به فجاء بها إلى الشام لاحراز قوتها فهو مما لا يقبله عاقل فابن جعفر لم يكن معدما إلى هذا الحد مع أنه يتكلف من نفقة احضارها واحضار أهله أكثر من نفقة قوتها فما كان ليحضرها وحدها إلى الشام ويترك باقي عياله بالحجاز جياعى .
سادساً / لم يتحقق ان صاحبة القبر الذي في راوية تسمى زينب لو لم يتحقق عدمه فضلا عن أن تكون زينب الكبرى وانما هي مشهورة بأم كلثوم كما مر في ترجمة زينب الصغرى لا الكبرى على أن زينب لا تكنى بأم كلثوم وهذه مشهورة بأم كلثوم . ]
التحقيق الثالث : للنسّابة يحيى بن الحسن العبيدلي العقيقي المتوفى سنة 277 هـ في كتابه [ أخبار الزينبيات ] . والمؤلف هو كاتب ومؤرِّخ ونسّابة من قدماء علماء الشيعة الإثنا عشريَّة ، وهو من أهل المدينة المنورة ومولده بها ، وأمَّا وفاته فكانت في مكة ، وقد ذهب الى القول بأن مرقدها الطاهر في مصر ، فقال في كتابه :
[ حدثنا زهران بن مالك قال : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن العتبي يقول : حدثني موسى بن سلمة عن الفضل بن سهل عن عليّ بن موسى قال : أخبرني قاسم ابن عبد الرازق وعليّ بن أحمد الباهلي قالا : أخبرنا مصعب بن عبد الله قال : كانت زينب بنت عليّ وهي بالمدينة تألب الناس على القيام بأخذ ثأر الحسين ، فلما قام عبد الله بن الزبير بمكة وحمل الناس على الأخذ بثأر الحسين ، وخلع يزيد ، بلغ ذلك أهل المدينة فخطبت فيهم زينب وصارت تؤلبهم على القيام للأخذ بالثأر ، فبلغ ذلك عمرو بن سعيد فكتب إلى يزيد يعلمه بالخبر فكتب إليه أن فرق بينها وبينهم ، فأمر أن ينادي عليها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء . فقالت: قد علم الله ما صار إلينا ، قتل خيرنا ، و انسقنا كما تساق الأنعام ، وحملنا على الأقتاب ، فو الله لاخرجنا وإن أهريقت دماؤنا ، فقالت لها زينب بنت عقيل : يا ابنة عماه! قد صدقنا الله وعده ، وأورثنا الأرض نتبوّأ منها حيث نشاء ، فطيبي نفساً وقري عيناً وسيجزي الله الظالمين ، أتريدين بعد هذا هواناً ؟ ارحلي إلى بلد آمن ، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم و تلطفن معها في الكلام و واسينها.
و بالإسناد المذكور مرفوعاً إلى عبيد الله بن أبي رافع قال : سمعت محمداً أبا القاسم ابن علي يقول: لما قدمت زينب بنت عليّ من الشام إلى المدينة مع النساء و الصبيان ثارت فتنة بينها وبين عمرو بن سعيد الأشدق والي المدينة من قبَل يزيد ، فكتب إلى يزيد يشير عليه بنقلها من المدينة ، فكتب له بذلك فجهزها هي ومن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر ، فقدمتها لأيام بقيت من رجب .
حدثني أبي عن أبيه عن جدي عن محمد بن عبد الله عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن الحسن بن الحسن قال : لما خرجت عمتي زينب من المدينة خرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة عم الحسين وأختها سكينة .
وحدثني أبي قال : روينا بالإسناد المرفوع إلى علي بن محمد بن عبد الله قال : لما دخلت مصر في سنة 45 سمعت عسامة المعافري يقول : حدثني عبد الملك بن سعيد الأنصاري قال : حدثني وهب بن سعيد الأوسي عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال : رأيت زينب بنت علي بمصر بعد قدومها بأيام ، فوالله ما رأيت مثلها ، وجهها كأنه شقة قمر .
وبالسند المرفوع إلى رقية بنت عقبة بن نافع الفهري قالت : كنت فيمن استقبل زينب بنت علي لما قدمت مصر بعد المصيبة ، فتقدم إليها مسلمة بن مخلد وعبد الله بن الحارث وأبو عميرة المزني فعزاها مسلمة وبكى فبكت وبكى الحاضرون وقالت : (( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون )) ثم احتملها إلى داره بالحمراء ، فأقامت بها أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً ، وتوفيت وشهدت جنازتها ، وصلى عليها مسلمة بن مخلد في جمع بالجامع ، ورجعوا بها فدفنوها بالحمراء بمخدعها إلى الدار بوصيتها .
حدثني إسماعيل بن محمد البصري - عابد مصر ونزيلها - قال : حدثني حمزة المكفوف قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله القرشي قال : سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد الله بن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري تقول : توفيت زينب بنت علي عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة 62 من الهجرة ، وشهدت جنازتها ودفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى ، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري . ]
آجركم الله في ذكرى رحيلها سلام الله عليها
تعليق