بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾[1].
من أهم أعمال الإنسان المؤمن الفكرية التدبر في عاقبة الأمور وأدبارها. ودلالة القرآن على صحّة نبوّته وصدق محمّد صلى الله عليه وآله من ثلاثة أوجه: أحدها فصاحته وثانيها: اشتماله على الأخبار عن الغيوب والثالث: سلامته عن الاختلاف؛ وكان المنافقون يتواطؤون في السرّ على أنواع من المكر والكيد والله سبحانه يطّلع الرسول حالا فحالا ويخبره، فذلك لو لم يحصل بأخبار الله وإلّا لما اطّرد الصدق وكان يظهر في قول محمّد صلى الله عليه وآله أنواع الاختلاف فلمّا لم يظهر ذلك علم أنّ ذلك بإخبار الله إيّاه.
والقرآن كتاب كبير ومشتمل على أنواع كثيرة من العلوم فلو كان من عند غير الله لوقع فيه أنواع من الكلمات المتناقضة، والقرآن يصدّق بعضه بعضا. فإن قيل: أليس قوله مثلا: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[2]، كالمناقض لقوله: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ﴾[3]، وكذلك آيات الجبر كالمناقضة لآيات القدر؟ فالجواب أنّ هذا كلام من لا يعلم علم التفسير وإلّا فمعلوم عند أهل العلم أنّه لا منافاة ولا مناقضة بين شيء منها البتّة.
تقول الآية الشريفة: أفلا يتفكّر اليهود والمنافقون في القرآن إذ ليس فيه خلل ولا تناقض ليعلموا أنّهم لا يقدرون على مثله وأنّه حجّة وليس من كلام أحد من الخلق وهو مشتمل على أنواع من الحكم من أمر بحسن ونهي عن قبيح وخبر صادق ودعوة إلى مكارم الأخلاق فإنّ من تدبّر فيه علم جميع ذلك ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ﴾، أي لو كان من عند النبيّ أو كان يعلمه بشر كما زعموا ﴿لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾، لكان الكثير منه مختلفا متناقضا متفاوتا نظمه ومعانيه، وكان بعضه فصيحا، وبعضه ركيكا، وبعضه معجزا يصعب معارضته، وبعضه غير معجز يسهل معارضته، وبعضه أخبارا مستقبلة أو ماضية لا يوافق المخبر عنه، وبعضه موافقا للعقل في بعض أحكامه دون بعض، على ما دلّ عليه الاستقراء في تصانيفهم، لنقصان القوّة البشريّة. فلمّا تناسب كلّه من حيث توافق النظم، وصحّة المعاني، وصدق الأخبار، واشتماله على أنواع الحكم من أمر بحسن ونهي عن قبيح، وعلى الدعاء إلى مكارم الأخلاق، والحثّ على الخير والزهد، مع فصاحة اللفظ على وجه فاق على جميع قوى الفصحاء والبلغاء، علم أنّه ليس إلاّ من جهة الله تعالى القادر على ما لا يقدر عليه غيره، والعالم بما لا يعلمه أحد سواه.
واعلم أنّ الاختلاف في الكلام يكون على ثلاثة اضرب: اختلاف تناقض، واختلاف تفاوت، واختلاف تلاوة، واختلاف التفاوت يكون في الحسن والقبح، والخطأ والصواب، ونحو ذلك ممّا تدعو إليه الحكمة وتصرف عنه. وهذا القسم لا يوجد في القرآن البتّة، كما لا يوجد اختلاف التناقض، كما قال: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾[4]، وأمّا اختلاف التلاوة مثل اختلاف مقادير الآيات والسور واختلاف الأحكام في الناسخ والمنسوخ بما تقتضيه المصلحة فذلك موجود في القرآن فإنّ الناسخ ثابت مقرّر إلى يوم القيامة فليس فيه تناقض وتفاوت بعد تقريره وثبوته.
فالآية تضمّنت الدلالة على معان كثيرة: منها: بطلان التقليد في أصول الدين، وصحّة الاستدلال في أصول الدين، لأنّه سبحانه دعا العباد إلى التفكّر والتدبّر، وحثّ على ذلك. ومنها: فساد قول من زعم من الحشويّة[5] وغيرهم أنّ القرآن كلّه لا يفهم معناه إلاّ بتفسير الرسول صلّى الله عليه وآله، لأنّه حثّ على تدبّره ليعرفوه. ومنها: أنّه لو كان من غيره لكان على وزان كلام عباده، ولوجدوا الاختلاف المذكور فيه. ومنها: أنّ تناقض كلام المخلوق لا يكون من فعل الله تعالى، لأنّه لو كان من فعله لكان فاعلا للقبيح، وهو منزّه عن ذلك.
[1] سورة النساء، الآية: 82.
[2] سورة الحجر، الآية: 92.
[3] سورة الرحمن، الآية: 39.
[4] سورة فصلت، الآية: 42.
[5] نسْبة إِلى الحشو أو الحشا: طائفةٌ تمسَّكوا بالظَّواهر، وذهبُوا إِلى التجْسيم وغيره.
تعليق