بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾[1].
مقارنة لطيفة بين نوعين من الشفاعة فيها تحفيز لشفعاء الخير واستنكار لشفعاء الشر.
ومورد الشفاعة الحسنة والسيئة هنا هو القتال في سبيل الله، ولكن النص يشمل كل شفاعة حسنة أو سيئة في كافة الأحوال، وشفاعة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) في كل الحقول الرساليّة، تعليما وعظة وتحريضا وأمرا ودعاية هي قمة الشفاعات الحسنة ﴿وحَرِّضِ اَلْمُؤْمِنِينَ﴾، فكما الجائي بالحسنة له أجر والجائي بالسيئة عليه وزر، كذلك المتعاون معهما والشفيع لهما شريك معهما ولا ينقص أولاء من أجورهم أو أوزارهم شيء. ولماذا «شفاعة حسنة - أو - سيئة» دون «شفاعة في حسنة - أو - سيئة»؟ لأن الشفاعة في حسنة أو سيئة تعم الشفاعة الحسنة والسيئة في كل منهما، فقد يشفع شفاعة سيئة في حسنة وهي شفاعة سيئة. وترى ما ذا تعني «منها» في جزئيها؟ فهل إن ﴿مَّن﴾، جنسية أو تبعيضية؟ ومن ثم ما هو مرجع الضمير؟ وظاهر المرجع هو حسنة أو سيئة شفيعة وكل منهما راجع الى صاحبه تماما لا جنسا ولا بعضا! المرجع فيهما هو الحسنة أو السيئة المشفع لهما، المعروفة من الحسنة أو السيئة الشفيعة لها، وهذا استخدام ما ألطفه يجعل الحسنة أو السيئة المشفع لها كأنها الشفيعة نفسها. ثم ﴿مَّن﴾، قد تكون تبعيضية تعني البعض من تلك الحسنة أو السيئة قدر شفاعته لها، ففي الحسنة بعضا من عشر أمثالها وقد عبر عنه بنصيب منها وهو الحظوة الخاصة قدر الشفاعة، وفي السيئة بعض من مثلها وقد عبر عنه بكفل - أي عضو - منها. وقد تكون جنسية تعني نصيبا أو كفلا من جنس كل منهما، فإن ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾[2]، تعم الحسنة الشفيعة الى الحسنة المشفع لها، كما و ﴿مَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾، تعمهما.
فكما لفاعل الحسنة أو السيئة ثواب أو عقاب قدر استحقاقه، كذا للشفيع في كل منهما قدر استحقاقه عطاء حسابا أو جزاء وفاقا ولا يظلمون فتيلا. وقد عرفنا الفرق بين نصيب وكفل أن النصيب هو الحظ الخاص بالحسنة والكفل يعمها والسيئة وهنا هو السيئة، ثم ﴿نَصِيبٌ﴾، فرد من الكلي و ﴿كِفْلٌ﴾، جزء من الكل، فإن قسما من عشرة أم عشرة مماثلة ليس جزء، وكفل منها إمّا هو جزء أو مماثل لوحيد الجزاء. ثم كل من ﴿شَفَاعَةً حَسَنَةً﴾، أو ﴿سَيِّئَةً﴾، تعم قولة أو فكرة بارزة أو عملية مما هي من مظاهر الشفاعات، في سلب أو إيجاب، ف ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً﴾، في سبيل فعل معروف أو ترك منكر بأية ظاهرة من مظاهرها ﴿لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾، ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً﴾، في ترك معروف أو فعل منكر ﴿لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾.
وهوما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((مَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ أَوْ أَشَارَ بِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ وَمَنْ أَمَرَ بِسُوءٍ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ))[3].
وترى شفاعة حسنة أو سيئة تختص بالتي تحقق الحسنة أو السيئة فلا تنفع أو تضر فيما لا تتحقق حسنة أو سيئة؟ فمحاولة الخير خير مهما لم يتحقق، إذا فالشفاعة فيها شفاعة حسنة، ثم محاولة الشر شر مهما لم يتحقق فالشفاعة فيها شفاعة سيئة. إذا فبيع العنب لمن تعلم أنه يعمله خمرا وما شابه من إعانة هو داخل في شفاعة سيئة، فالروايات المتعارضة في الحل والحرمة معروضة على الآية فتصدق المحرّمة وإذا كان غارس العنب والتمر للتخمير ملعونا فبأحرى بايعه ممن يعلم أنه يعمله خمرا، فآية التعاون ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[4]، وآية الشفاعة السيئة، تتجاوبان وتتعاونان في التحريم.
[1] سورة النساء، الآية: 85.
[2] سورة الأنعام، الآية: 160.
[3] وسائل الشيعة، ج 16، ص 124.
[4] سورة المائدة، الآية: 2.
تعليق