بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[1].
في زمن النبي صلّى الله عليه وآله اخبر الله تعالى عن الملكوت أي البرزخ الحاصل بعد الموت فيما وقع من موت لمن لم يهاجر من مكة مع قدرته على المهاجرة أو يكون عاما، ولو كان شأن النزول خاصا، فمن اخذ روحه الملك تمام الاخذ لا كالنائم (أي قطع روحه عن البدن كلية وهو الموت) حال كونهم ظالمين على انفسهم بعدم الهجرة لإقامة الدين أو اخذ المسائل بحيث يتركون بسبب ترك الهجرة بعض الواجبات أو يقعون في المحرمات فلم يفعلوا، واثاقلوا الى الأرض تقديما لأموالهم ومصالحهم الوطنية، وابتعادا عن مضاعفات الهجرة الى الله وملابساتها، وقال تعالى: ﴿فِيهَا﴾، هنا دون «منها» إذ لا معنى للمهاجرة من ﴿أَرْضُ اللهِ﴾، ككلّ، لسكنة الأرض، إذا فنطاق المهاجرة إنما هو ﴿فِيهَا﴾: بضمنها، وقضيتها لكل ساكن في كنف من أكنافها مضطهدا في إيمانه، أن يهاجر منها الى كنف آخر لا اضطهاد فيه أو يقل، إذا فليست المهاجرة إلاّ ضمن ﴿أَرْضُ اللهِ﴾، من هنا الى هناك.
أجل، فقد سلمتم أنفسكم تحت أنيار الاستضعاف وكانت لكم فسحة الهجرة الى سائر أرض الله الواسعة.
تقول الملائكة لهم، أو قالوا في مقام التوبيخ، في أي حال كنتم في الدنيا فأجابوا (أو) يجيبون بأنا كنا مستضعفين، فردتهم الملائكة بكون ارض الله واسعة، فلأي جهة لم تهاجروا ففات منكم الواجبات أو وقعتم في المحرمات اذ ذلك تفويت بالاختيار والقاء في المفسدة بالاختيار، سواء قلنا بان العقاب على المقدمات، أو على نفس الواجبات والمحرمات وهم في النار إلا المستضعفين وذلك الاستثناء دليل ارادة العموم من السابق لا خصوص من مات.
ومما لا شك فيه إن تلك المحادثة التي تم فيها الاستجواب هي بعد الموت بلحظة، وقد يقال إنها قبله بلحظة؟
والجواب: أنّ الملائكة لا تكلم المكلف في حياة التكليف ولا سيما الظالم نفسه! ثم ﴿فِيمَ كُنتُمْ﴾، تنحّي كينونة التكليف الماضي، إذا فهي منذ لحظة اللاّتكليف، كما ﴿كُنَّا﴾، تؤيدها، ولو أنهما كانت في أخريات لحظات حياة التكليف لكانت التوبة واردة لمن يتوب توبة واقعية كما في قسم من آيات التوبة. إذا فتلك المحادثة هي بعد توفيهم مما يدل على الحياة البرزخية، وتلك هي من مسائلات القبر يعني بعد الموت، لا - فقط - القبر التراب. فقد تبدأ المسائلة منذ اللحظة الأولى بعد الموت، دون تأجيل لها الى مواراته في القبر، فقد يغرق المكلف أو يحرق أو لا يدفن فليس له قبر، أو ليس له سؤال القبر!
وعلى أي حال فمن كان معذورا من قبيل الضعفاء من حيث البدن والمال أو النساء أو الاطفال في اول بلوغهم، اذ الجميع لا حيلة لهم ولا يهتدون سبيلا، فيعفو الله عنهم ويغفر لهم؛ ولعل في اتيان لفظ عسى، والعفو، والغفران، تحريض على تثبتهم في كل آن للسبيل الى الحيلة، ولا ينامون مطمئنين بأنا لا حيلة لنا وإما مع فحصهم وعدم قدرتهم، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
﴿أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً﴾، وقد ذكرت الأرض الواسعة في آيتين أخريين من القرآن الكريم: فقال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ﴾[2]، وقوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾[3].
هذه الآيات الثلاث تؤكد لنا سعة أرض الله لتقوى الله فرارا عن طغواه، فليهاجر المؤمن المستضعف فرارا بإيمانه وقرارا لإيقانه. فالمستضعف المقصر غير معذور على أية حال فلا يعذر بلغة الاستضعاف بحال كما ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ﴾[4]، وقد يعبر عنه القرآن بالضعيف في نفسه حتى تمكن المستكبر من استضعافه.
[1] سورة النساء، الآية: 97.
[2] سورة الزمر، الآية: 10.
[3] سورة العنكبوت، الآية: 56.
[4] سورة سبأ، الآية: 32.
تعليق