كمثل آدم
محمد باقر فالح

تحدث القرآن الكريم عن قصة النبي عيسى (عليه السلام) ..
من ولادته إلى دعوته ..
ورفعه إلى السماء ..
وهو عليه السلام من الخمسة اولي العزم من الرسل ، مصدقاً لمن سبقه من الأنبياء ومبشر بخاتم الرسل ..
ومن أهم المنازل التي نص عليها القرآن الكريم هي منزلة العبودية لله والنبوة والرسالة ..
والاصطفاء ، والإجتباء ،روح منه ، مبارك ، زكي ، وآية للناس وغير ذلك من المقامات العالية ..
قال تعالى

هذه الآية القرآنية تعتبر وسطاً بين موقفين متطرفين اتخذته اليهود والنصارى ..
الموقف الأول: موقف اليهود ألذين أنكروا خلق عيسى عليه السلام من غير أب ..
فكانت هذه المعجزة صعبة على عقولهم ، فاتهموا امه الطاهرة إتهاماً باطلاً .
والموقف الثاني : موقف النصارى الذين غالوا كثيراً فيه ومن نفس المبدأ (الولادة من غير أب)
فزعموا أنه إبن الله ، وإن تفرقوا بعد ذلك إلى عدة فرق منهم ؛
من يقول ثالث ثلاثة ، ومنهم من يدعي الألوهية مما لايخرج عن دائرة الغلو والقول الباطل والعقيدة الغير صحيحة ، وكان منطلقهم في كل ذلك هو الولادة الإعجازية للسيد المسيح (عليه السلام)..
وقد دعا القرأن الكريم النصارى إلى المباهلة بين جانب التوحيد وجانب التثليث ليحسم الله تعالى الأمر ويجعل اللعنة على الكاذب ،
لكن المباهلة جاءت بعد إقامة الحجة العقلية على بطلان دعواهم ، فكان الأمر يمر بمرحلتين الأولى :
إقامة البرهان الذي يقنع به الطرف الآخر لو كان منصفاً ولم يكن معانداً مكابراً ، وإن كان لا يستجيب للبرهان الواضح يلجأ صاحب الرسالة (صل الله عليه وآله)
وحملتها (عليه السلام)
إلى الإسلوب الثاني وهو المباهلة ،
وهذا ماحدث بالضبط لوفد نصارى نجران ، ومايهمنا هو البرهان العقلي الذي أقيم لدفع ألوهية المسيح (عليه السلام) ..
والذي يكون ملزماً للنصارى لولا الأصرار على الباطل ، والآية _ وهي أكبر برهان عقلي _ حجة على من لايؤمن بسماوية القرأن وأنه من عند الله ، والآية تنحل على حجتين ،
كل واحدة منهما كافية لرد مزاعم النصارى وهي :
الأولى :إن الله _ وهو الخالق_ يعلم خلقه ..ومن خلقه عيسى (عليه السلام)
والثانية :
إن خلق المسيح (عليه السلام)
لايزيد على خلق آدم (عليه السلام )
بل على العكس..
فالمسيح (عليه السلام) خلق بلا أب
وآدم (عليه السلام) مخلوق بلا أب وبلا أم ..
وهو لايستحق أن يعبد من دون الله ؛ لذلك فالمسيح لايستحقها من باب اولى ..
وبكلمة أخرى أن الألتزام بإلوهية المسيح لأنه ولد من غير أب يستلزم الالتزام بألوهية آدم (عليه السلام) بالأولوية القطعية ..
لذلك فتكون دعواهم باطلة .
ويكون خلق المسيح بلا أب (حالة غريبة غير معتادة ) وهو من الأعجاز الإلهي التي لايحدها شيئ فهو قادر على خلق إنسان بلا والدين كآدم ، وقادر على خلق إنسان بلا اب كالمسيح ..
وقادر على خلق الإنسان من ذكر وأنثى كسائر الناس ،
فالقادر الذي لا حد لقدرته الواسعة
بل إرادته ومشيئته تكمن في كلمة (كن )...
وقد فسر أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : (( يقول لمن اراد كونه كن فيكون لابصوت يقرع ولابنداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه انشاه ومثله ))....
(٢)
(١) سورة آل عمران ، الآية ٥٩
(٢)..
شرح نهج البلاغة : إبن ميثم البحراني