بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ۗ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[1].
واضح أننا هنا نجد أن المهاجرة تضمن خير الدنيا والآخرة، فقوله تعالى: ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، للذي يهاجر الى بلاد أخرى من الأرض الواسعة ومن خلال تجارب العلماء الأعلام والمؤمنين الخلص على مرّ التاريخ يجد مراغما كثيرا وسعة.
نعم فيها مخاوف وأخطار قد تمنع المؤمن عن الإقدام عليها لحد قد يعذر نفسه عنها كأنه لا يجد لها حيلة ولا يستطيع سبيلا، فليست هي هجرة للثراء والبواء والخروج عن العناء، فإنما هي ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾، بكل ترح وفرح.
«المراغم» المهاجر المقاطع لأهله وعشيرته. والأصل في ذلك: أنّ الرّجل منهم كان إذا أسلم، خرج عن قومه مغاضبا لهم ومهاجرا هنا من الهجران. والمعنى: أنّه يجد في الأرض سعة ومعاشا يغنيه عنهم. والمراغم الكثير ما يرغم من الموانع لأصل الهجرة أم في المهاجر فإن ﴿أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً﴾، فكلما اعترض سبيله رادع أرغمه الله وإن بنقلته إلى أرض أخرى، وليس - فقط - مراغما كثيرا إرغاما للموانع، بل ﴿وَسَعَةً﴾، وفسحة في مجالات الحياة، حيث يجد في الأرض منطلقا وفسحة، فلا تضيق به أرض المهاجرة ولا يعدم الحيلة والوسيلة للحياة الإيمانية وللرزق.
ولكن نتيجة لضعف النفس البشرية يخيل إليها أن وسائل الحياة مرتبطة - فقط - بأرض الوطن وبظروف وملابسات خاصة إن فارقتها لم تجد للحياة - إذا - سبيلا. فرغم أن أرض الوطن أصبحت مراغمة لإيمانه تصبح المهاجر في سبيل الله مراغمة معاكسة لما يخيّل إلى المهاجرين أن الوطن يوطّن المواطن والهجرة تهجره عن التوطن والاطمئنان، فسبيل الله في الهجرة هي التي تضمن بإذن الله تلك المعاكسة الحبيبة الشيّقة، ولكيلا يخاف المهاجرون في سبيل الله عن أرض الوطن أية صعوبة مراغمة لعيشتهم، بل وحتى للذي مات في الطريق:﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾، وقد ورد عَنْ أَبِي حُجْرٍ اَلْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((مَنْ أَتَى مَكَّةَ حَاجّاً وَلَمْ يَزُرْنِي إِلَى اَلْمَدِينَةِ جَفَوْتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ومَنْ أَتَانِي زَائِراً وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي وَجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ وَمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ اَلْحَرَمَيْنِ مَكَّةَ وَاَلْمَدِينَةِ لَمْ يُعْرَضْ وَلَمْ يُحَاسَبْ وَمَنْ مَاتَ مُهَاجِراً إِلَى اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ حُشِرَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ))[2]. وليس الموت أو القتل في سبيل الله - في احتمالها فيها - بالذي يهين عزم المؤمن، فكلّ منهما هيّن في نفس المؤمن حيث الأجل إنما هو بيد الله، فإذا هاجر بأمر الله ثم مات في طريقه أو في المهجر فقد تجاوب أمران إلهيان في موته أو قتله ف ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾[3]، ذلك! ولأن سبيل الله طليقة تشمل كل سبله المسبّلة للمؤمنين، فقد تشمل سبيل الحج وسبيل الدعوة إلى الله، وسبيل تحصيل العلم وسائر السبل الربانية مهما كانت درجات. والمحرم الداخل في الحرم لغرض الحج- بقدر متيقن - إن مات قبل المناسك كفى عن حجه أو عمرته، وعلّه ايضا لكل من المحرم والداخل في الحرم، فإن وقوع الأجر أعم من سقوط التكليف، كما الذي نوى الحج ولمّا يستطع له أجره ولكنه إذا استطاع وجب عليه.
وتلك هي الصفقة الأولى في متجر المهجر، ومن ثم الثانية: ﴿وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾، يغفر ذنوب المهاجر ويرحمه ما لا يغفر أو يرحم غير المهاجر، فالمهاجر - إذا - هو أربح تاجر وأنجحه!
[1] سورة النساء، الآية: 100.
[2] الكافي، ج 4، ص 548.
[3] سورة النساء، الآية: 78.
تعليق