بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾[1].
الضرب في الأرض هو السفر القاصد إذ لا يقال للفواصل القليلة أنه ضرب في الأرض ورفع الجناح يستعمل مع الوجوب ولا غضاضة حيث يكون رفعه باعتبار دفع توهّم والتوهم هنا هو أن يستغرب الإنسان انتصاف الرباعية لمجرد كونه مسافرا وخوف المسلم من المشركين ومن كان نظيرهم في حقده على الإسلام في صدر الإسلام كان هو الغالب والاّ فقصر الصلاة ليس مربوطا بالخوف عند السفر نعم هناك شروط لا بدّ ان تتوفر للمسافر حتى يصحّ له القصر وبسط ذلك في الفروع.
والجناح هو الإثم وقصر اَلصَّلاةِ الحذف منها والفتنة كلّما يدخل على الإنسان لأجل اختباره وهي هنا الأذية وغير الملائم وهذه الآية تحتمل وجهين من المعنى.
الوجه الأول: إن السفر يبيح قصر الصلاة والحذف من طولها فالرباعية مثلا تكون ثنائية وإطلاق السفر يشمل ما كان مسافة شرعية ثمانية فراسخ ولو ملفقة وما لم يكن وسلب الجناح معناه اباحة القصر لا الإلزام به والحال أن السنة وبخاصة عند الإمامية ألزمت به بشرائط خاصة: والقصر في الآية لا يفهم منه حدّ خاص في الحذف فلا يدري كم يحذف المسافر من صلاته إذا صلّى والسنّة شخصت ذلك في الرباعيات خاصة وأن المحذوف منها نصفها فيسلّم المسافر على ركعتين امّا الثلاثية وهي صلاة المغرب والثنائية كصلاة الصبح فلا حذف فيهما. وقيد ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ليس معناه أن قصر الصلاة في السفر يجب أن يكون مع الخوف من العدوّ وبدونه لا يباح القصر من الصلاة فإن صلاة الخوف لها حكم آخر وصلاة المسافر بما هي صلاة مسافر موضوع برأسه بل معناه أن الأسفار في الازمنة المعاصرة للقرآن كلّها كانت ذات خوف لشيوع الغارات وكثرة اللصوص وقطّاع الطرق والمنتهزين لضعف المسافر فالقيد سيق مساق الغالب فليست فيه شرطية.
الوجه الثاني: إن الآية تشير الى صلاة الخوف فقط ولا ربط لها بالمسافر بما هو مسافر وباعتبار أن الإنسان في قرارة بيته آمن في الغالب عبّر تعالى في الآية بقوله ﴿وإِذا ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ﴾، فلا يكون الخوف الاّ في الخروج عن المواطن فإذا حصل الخوف للإنسان من عدوّ يريده أو قاطع طريق ونحو ذلك جاز له قصر الصلاة فتكون الآية بيانا لصلاة الخوف بما هي صلاة خوف غير مراعى فيها الانفراد والجماعة وتكون الآية اللاحقة مبيّنة لصلاة الخوف جماعة.
عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: ((قُلْنَا لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَا تَقُولُ فِي اَلصَّلاَةِ فِي اَلسَّفَرِ كَيْفَ هِيَ وَكَمْ هِيَ فَقَالَ: إِنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلاةِ، فَصَارَ اَلتَّقْصِيرُ فِي اَلسَّفَرِ وَاجِباً كَوُجُوبِ اَلتَّمَامِ فِي اَلْحَضَرِ قَالاَ: قُلْنَا لَهُ إِنَّمَا قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ وَلَمْ يَقُلِ اِفْعَلُوا فَكَيْفَ أَوْجَبَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي اَلصَّفَا وَاَلْمَرْوَةِ فَمَنْ حَجَّ اَلْبَيْتَ أَوِ اِعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ اَلطَّوَافَ بِهِمَا وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ لِأَنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ وَصَنَعَهُ نَبِيُّهُ، وَكَذَلِكَ اَلتَّقْصِيرُ فِي اَلسَّفَرِ شَيْءٌ صَنَعَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَذَكَرَهُ اَللهُ فِي كِتَابِهِ، قَالاَ: فَقُلْنَا لَهُ: فَمَنْ صَلَّى فِي اَلسَّفَرِ أَرْبَعاً، أَيُعِيدُ أَمْ لاَ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ قُرِئَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اَلتَّقْصِيرِ وَفُسِّرَتْ لَهُ فَصَلَّى أَرْبَعاً، أَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرِئَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا، فَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَاَلصَّلَوَاتُ كُلُّهَا فِي اَلسَّفَرِ اَلْفَرِيضَةُ رَكْعَتَانِ كُلَّ صَلاَةٍ، إِلاَّ اَلْمَغْرِبَ فَإِنَّهَا ثَلاَثٌ، لَيْسَ فِيهَا تَقْصِيرٌ، تَرَكَهَا رَسُولُ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي اَلسَّفَرِ وَاَلْحَضَرِ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ))[2].
[1] سورة النساء، الآية: 101.
[2] وسائل الشيعة، ج 8، ص 517.
تعليق