تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[1].
ينبغي لفت النظر إلى الموقع الهندسي الذي يحتله هذا القسم من السورة الكريمة حيث ختم بهذه الآية والتي تشكل خيطا يربط بين موضوع الصلاة التي أدخلها النص في سياق حديثه عن القتال والجهاد في سبيل الله، حيث عاد إلى الحديث عن الجهاد ووصل بين مقاطع السورة ليستكمل بذلك إحكام العمارة الفنية للنص، ويهبها جمالية وإمتاعا من حيث تلاحم وتواشج أجزاء النص بعضها مع الآخر.
في اللغةالوهن: الضعف، يقال: وهن في الأمر يهن وهنا ووهونا فهو واهن وأوهنه يوهنه فهو موهن، ووهنه توهينا، وهذا الوهن من ذلك.
والألم: الوجع، والألم جنس من الأعراض يكون من فعل الله تعالى ابتداء أو لسبب، وقد يكون من فعل العباد ولا يكون إلا بسبب، وإنما يكون ألما إذا أدركه مع [الضعف]، فإن أدركه مع الشهوة يكون لذة.
والابتغاء: الطلب، ومنه الباغي لطلبه ما ليس له، ومنها البغيّ لطلبها الفجور، ووزن ﴿ابْتِغَاءِ﴾، افتعال، وفعلت وافتعلت بمعنى، يقال: بعت الشيء وابتعته.
نزول هذه الآية في آل عمران بشأن جرحى الحرب عند الهزيمة العظيمة في أحد تأمرهم بملاحقة المشركين دون أي وهن هو طبيعة حال الانهزام.
فأنتم المناضلون الجرحى المفروضة عليكم الصلاة على تخوف في أرض المعركة، لا تتصوروا أن الصلاة والهزيمة تسمحان لكم أن تهنوا في ابتغاء القوم ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾، على أية حال - صلاة وغير صلاة - على جراح وغير جراح وذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[2]، وحين لا يجوز الوهن في ابتغاء القوم وأنتم جرحى فبأحرى وأنتم أصحاء، حكم صارم غير محصور بحالة ولا محسور، ولا هو مقيد بشأن النزول. ولماذا تهنون في ابتغاء القوم والألم في النضال شرع سواء بينكم ولكم فضل القوة الروحية عليهم ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾، ومن ثم قوة الله العليم الحكيم حيث فرض عليكم الجهاد بعلمه فيما يحصل وحكمته لما يحصل، وإن لكم إِحْدَى اَلْحُسْنَيَيْنِ.
فهذه عديدة من كلمات الله تضع حاسمة الخطوط الرئيسية في المعركة، كاشفة عن الشقة البعيدة والمشقة العتيدة بين جبهتي الصراع. ذلك، فحين يصر العدو الكافر الماكر على مواصلة الحرب فما أجدر المؤمنين على مواصلتها وبأحرى وأشد إصرارا، تصبّرا على آلامها، واستئصالا لفتنهم قدر المستطاع. فسبيل الضفّة المؤمنة - إذا - الاحتمال على أية حال دون ما انهيار ولا فرار مهما تعلم أنها تألم ف ﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، كيف اعتلاج المشاعر واختلاج المحاور ﴿حَكِيمًا﴾، في أمره الإمر بشأن الجهاد الصامد، والنهي عن الحياد الهامد البائد المائد.
ففي هذه الآية حثّ على مكافحة العدوّ الكافر ومقاومته مفادها أن تواتر الحروب عليكم ومديد وقفاتكم مع شديدي الخصومة لا يضعفكم؛ فإنكم إن تجدوا من ذلك ألما ومشقّة فإن خصمكم مثلكم يجد ألما ومشقّة وهناك داع قويّ يحفز بكم الى الاستمرار وتحمّل المشاق ليس موجودا عندهم فإنكم لاعتقادكم بالله والمعاد عليه ترجون منه الأجر الجزيل والثواب الوفير، أمّا هم فلإلحادهم بعالم الغيب وما وراء الطبيعة لا رجاء لهم بمثل ذلك فقط إنما يرومون في كفاحكم شهرة الدنيا متى انتصروا عليكم امّا أنتم ففضلا عن تحصيلكم لمزية الانتصار متى ثبّتم لهم ترجون نشأة اخرى فيها من البقاء ما ليس في الدنيا ومن النعيم ما لا تعرفه الدنيا ايضا ﴿وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا﴾، بالمصالح ﴿حَكِيمًا﴾،في تثبيتها.
[1] سورة النساء، الآية: 104.
[2] سورة آل عمران، الآيتان: 139-140.
تعليق