بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾[1].
هناك ربط بين الآيات السابقة مع هذه الآية والتي بعدها من خلال القصص السابقة في أصل نزولها ولكن موردها لا يخصّصها بذلك بل عناوينها العامة تمشي مع كل مورد يكون بملاك ذلك.
﴿وَلَا تُجَادِلْ﴾، والمجادلة هي المناظرة وإبداء الحجج لأجل تثبيت مطلوب ما تركز في نظر المجادل كونه حقّا مما يعني ولا تدافع ﴿عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾،في واقع الأمر ويتظاهرون بمظاهر الأمين العفيف وطبعا إنما يكون للنهي محلّ فيما لو كان المدافع واقفا على حقّ القضية ولبّها لا إذا كان على رسله من صحة الظواهر وامانتها، والخوّان مبالغة في الخيانة امّا لتكرّرها منه أو لصدور خيانة عظيمة عنه فالمبالغة كما تصحّ في مقام التكرار تصحّ في مقام اشتداد الأمر وضخامته والأثيم مرتكب الإثم وفاعله.
لم يكن الرسول (صلّى الله عليه وآله) ليجادل عن الذين يختانون أنفسهم؟ علّها تعني كافة المكلفين على الأبدال، كما الآية الآتية تدل عليه ﴿هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ﴾[2]، ثم ولا بأس بعنايته (صلّى الله عليه وآله) في المعنيين بالخطاب، وليعلموا أنه لن يجادل فتنقطع آمالهم الكاذبة عنه. ثم والنهي عن شيء لا يدل على أن المنهي فاعله، بل قد يكون تدليلا على الحرمة رساليا وهو تاركه رسوليا، ثم وتدليلا على واجب الاستمرار في الانتهاء. ولماذا هنا ﴿يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾، وهم خانوا سائر الأنفس؟ علّه للتدليل على أن الذين يخونون سائر الأنفس فإنما يختانون - أولا - أنفسهم حيث ترجع الخيانة إليهم أنفسهم، والأخيتان هو الافتعال الاحتمال للخيانة، ففعالية الخيانة بالغير هي راجعة الى المختان يوم الدنيا ويوم الدين، مهما تضرّر بها المختان يوما من الدنيا.
فحين تضر الخيانة بالغير يوما مّا وهو مظلوم، فقد تضر الخائن كل الأيام حيث يخون مبدأ الإنسانية العطيفة العفيفة، ويخون الأمانة الملقاة على عاتق الإنسان، فيعرّض نفسه الخائنة لغضب الله وعذابه، كما عرّضها هنا لغضب المظلومين، فنفس الخائن هي أكثر تأثرا بخيانته ممن اختانه، فهي - إذا - تختان نفسها قبل وأكثر مما تختان غيرها.
فالمجادلة عن المختان محظورة أيا كان ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا﴾، بنفسه أم وسواه ﴿أَثِيمًا﴾، يعيش الإثم وهو كل ما يبطئ عن الصواب.
ولماذا هنا «خوانا» مبالغة والخائن أيا كان يبغضه الله؟ علّه بمناسبة شأن النزول ولقد وردت روايات عن الخاصة والعامة في سبب نزول هذه الآية وبعض هذه الروايات تهدف إلى الطعن بالأنصار، والحط من قدرهم. وذكرها أصحاب التفاسير منهم: الطبرسي وصاحب الميزان، فرواية تقول: خان في الدرع الذي سرقه ونسبها الى اليهودي؟ ثم لما افتضح فر الى مكة وارتد ونقب حائط إنسان للسرقة فسقط عليه الحائط فمات.
وأخرى وردت في تفسير القمّي تقول: أن اخوة ثلاثة من بني أبيرق اتهموا مؤمنا هو لبيد بن سهل بسرقة طعاما، كان أعده عم قتادة بن النعمان لعياله، وسيفا ودرعا.
وحقق السيد جعفر المرتضى في صحة هذه الروايات فقال: [فإننا لا نستبعد أن يكون لهذه الرواية أصل، وإن لم نستطع أن نحدده بدقة، فربما يكون ثمة شخص قد سرق درعا لأحدهم، فلما خاف أن تقطع يده هرب وارتد.
الارتداد لماذا؟!
ليس عجيبا أن يسرق الانسان شيئا ما، بدافع الحاجة أحيانا، أو بدافع الاضرار بخصمه أحيانا أخرى، أو لاقتضاء عادته وظروفه النفسية وغيرها وخصوصا مع عدم بنائه نفسه، وأخلاقه، وعاداته، وسلوكه بصورة عامة، وفق المبادئ والمثل العليا التي يؤمن بها.
ولكن العجيب حقا؟ أن يتخلى هذا الانسان عن عقيدته، وفكره، وقناعاته بسبب أمر تافه كهذا! وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن هذه العقيدة لم تتخذ من نفسه صفة الأصالة والرسوخ الكامل، ولا اتصلت بعقله وبروحه].[3]
[1] سورة النساء، الآية: 107.
[2] سورة النساء، الآية: 109.
[3] الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ج 7، ص 127.
تعليق