بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا﴾[1].
﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾، ظاهر السياق أنّ حصر مدعوّ أهل الشرك في الإناث دليل ضلالتهم البعيدة وفيه ذمّهم وتحقيرهم أيضا لأنّهم كانوا يسمّون الأوثان باسم الإناث يعني: اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة ونحوها. أو لأنّهم يعبدون الملائكة ويزعمون أنّ الملائكة بنات الله ووجه الضلالة والحقارة أنّ الأنثى في نظرهم ضعيفة منفعلة وكانوا لا يدعون الإناث للحرب والشدّة فكيف يدعون إناثا آلهة؟
﴿إِنَاثًا﴾، وهي جمع أنثى، كرباب وربّى. وقيل: لم يكن حيّ من أحياء العرب إلاّ ولهم صنم يعبدونه، ويسمّونه أنثى بني فلان، وذلك إمّا لتأنيث أسمائها، وإمّا لأنّها كانت جمادات، والجمادات تؤنّث من حيث إنّها ضاهت الإناث لانفعالها. ولعلّه تعالى ذكر هذه الأصنام بهذا الاسم تنبيها على أنّهم يعبدون ما يسمّونه إناثا، لأنه ينفعل ولا يفعل، ومن حقّ المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل، ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم. وقيل: كانوا يقولون في أصنامهم: هنّ بنات الله. وقيل: المراد الملائكة، لقولهم: الملائكة بنات الله.
وقال الطبرسي في تفسيره: [وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال: كان في كلّ واحدة منهنّ شيطانة أنثى تتراءى للسّدنة وتكلّمهم، وذلك من صنع إبليس وهو الشيطان الذي ذكره الله فقال: لعنه الله. قالوا: واللات كان اسما لصخرة والعزى كان اسما لشجرة إلا نقلوهما إلى الوثن وجعلوهما علما عليهما].[2]
﴿وَإِن يَدْعُونَ﴾، وما يعبدون بعبادتها ﴿إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا﴾، عاريا عن الخير، لأنّه الّذي أغراهم بعبادتها فأطاعوه، فجعل طاعتهم له في ذلك عبادة له. والمارد والمريد الّذي لا يعلق بخير. وأصله الملاسة، ومنه: صَرْحٌ مُمَرَّدٌ، وغلام أمرد، وشجرة مرداء للّتي تناثر ورقها.
وبتعبير آخر: لا يدعون الكفار من دون الله إلا اناثا، فإن كان غرض الله التكلم بقدر عقول الكفار في ذلك الزمان من كونهم دائرا على صرف الالفاظ ومستنكفا عن بعض الالفاظ، فالمراد أن معبوداتهم من الاصنام لها الفاظ مؤنثة، كاللات، والعزى، ومناة، وهم مستنكفون من عبادة المؤنث، ولو باللفظ ومع ذلك يعبدونها، وإن لم يكن ذلك فيحتمل أن يكون المراد أن الصفة الظاهرة من الاناث الانفعال والقابلية، فإنها مفعولة لا فاعلة، والاصنام كلها مصنوعة بأيدي البشر، ولا جهة فاعلية لها، فهي اناث وما يكون منفعلا يكون في حد ذاته فاقد للكمال، والمعطي اعلى من الفاقد، فلا يمكن أن يكون الفاقد إلها، وعلى هذا فكل فاقد للكمال فعلا والمنفعل عن الغير يكون كذلك، ولا يدعون إلا الشيطان إذ هو الداعي، وهؤلاء يعملون بقوله فهو معبودهم؛ وقد سبق كون تمام الشرور راجعا إليه، وارتباط الشيطان الداخلي الى الخارجي وهو مطرود، وقال من الاول: أن يتخذ نصيبا بالإضلال والقاء الأماني والتمنيات في الصدور، وبعثهم بشق آذان الانعام، (ولعله كان في الاصل للمصيبات العظيمة التي نحو شكاية فيها عن الله بأنه قد حاف في قضائه، وأن تلك المصيبة في غير موردها) وبعثهم لتغيير فطرة الله وهو التوحيد المخلوقون عليه أولا، فإن كل مولود يولد على الفطرة، ومن تصرف فيه الشيطان وجعل اختياره بيد الشيطان، فقد خسر خسرانا بيّنا، وما يعدهم والقاء التمني كلها كذب، وصورة ظاهرية محضة لا عمق فيها، ومأواهم جهنم، ولا يجدون عنه المقر، وأما اهل الايمان فيدخلون الجنات الجارية تحتها الانهار.
لذا قال عز وجل: ﴿وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا﴾، هذا وجه ثان لضلالتهم وبه يذمّهم؛ لأنّ الشيطان وإن ليس من آلهتهم لكن حقيقة الشرك جعل الشيطان معبودا ولأنّه لا بدّ فيما يدعو الإنسان أن يكون مرجوّا للخير، والشيطان مريد عار من الخير، ووجه الحصر في الآية أنّه ناظر إلى حقيقة دعوتهم وإلاّ ففي الظاهر أنّهم لا يعبدون الشيطان ولا يكون بعض أصنامهم أنثى.
[1] سورة النساء، الآية: 117.
[2] مجمع البيان، ج 3، ص 172.
تعليق