بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾[1].
﴿وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾، تلويح لمنزلة عظيمة لإبراهيم عليه السلام والمعنى اتخاذه حبيبا فألبسه الله ثوب الخلّة دون سائر الرسل ونصره على من أراد به سوءا وأنقذه من نار النمرود وجعلها عليه بردا وسلاما، وجعله للناس إماما يقتدون بفكره وعقله وإيمانه الراسخ وبكثير من تعاليم شريعته الغراء.
والخلة هنا بمعنى المحبة والصداقة كما قلنا. ويحتمل أن تكون من الخلة بمعنى الفقر والاحتياج والانقطاع الى اللّه تعالى والتوكل عليه. فإن إبراهيم عليه السلام لمّا رماه النمرود اللعين بالنار، قال ربّ العزة: يا جبرائيل أدرك خليلنا. فقال جبرائيل لإبراهيم (عليهما السلام): هل لك حاجة؟ قال: أمّا إليك فلا.. فنادى الربّ تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[2]، فنجّاه الله ونصره في أشد أوقات ضيقه كما هو معروف. وهذا يكشف عن كمال انقطاعه لله تبارك وتعالى، وعن تمام اتكاله عليه، وعن عميق اعتقاده بأنه ناصره ومؤيده.
وقد ورد بخوص خلّته لله عدة روايات منها:- ما في الكافي عَنْ زَيْدٍ اَلشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَانَ أَبَا أَضْيَافٍ فَكَانَ إِذَا لَمْ يَكُونُوا عِنْدَهُ خَرَجَ يَطْلُبُهُمْ وَأَغْلَقَ بَابَهُ وَأَخَذَ اَلْمَفَاتِيحَ يَطْلُبُ اَلْأَضْيَافَ وَإِنَّهُ رَجَعَ إِلَى دَارِهِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَوْ شِبْهِ رَجُلٍ فِي اَلدَّارِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اَللهِ بِإِذْنِ مَنْ دَخَلْتَ هَذِهِ اَلدَّارَ قَالَ: دَخَلْتُهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا يُرَدِّدُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَعَرَفَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ جَبْرَئِيلُ فَحَمِدَ اَللهَ ثُمَّ قَالَ: أَرْسَلَنِي رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ يَتَّخِذُهُ خَلِيلاً قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فَأَعْلِمْنِي مَنْ هُوَ أَخْدُمْهُ حَتَّى أَمُوتَ قَالَ فَأَنْتَ هُوَ قَالَ: وَمِمَّ ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّكَ لَمْ تَسْأَلْ أَحَداً شَيْئاً قَطُّ وَلَمْ تُسْأَلْ شَيْئاً قَطُّ فَقُلْتَ لاَ ))[3].
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَسِيرُ بِبَعِيرٍ فَمَرَّ بِفَلاَةٍ مِنَ اَلْأَرْضِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي قَدْ قَطَعَ اَلْأَرْضَ إِلَى اَلسَّمَاءِ طُولُهُ وَلِبَاسُهُ شَعْرٌ قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَعَجِبَ مِنْهُ وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ حَرَّكَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي حَاجَةً فَخَفِّفْ قَالَ: فَخَفَّفَ اَلرَّجُلُ وَجَلَسَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِمَنْ تُصَلِّي فَقَالَ: لِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: وَمَنْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: اَلَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَنِي فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: قَدْ أَعْجَبَنِي نَحْوُكَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُوَاخِيَكَ فِي اَللهِ أَيْنَ مَنْزِلُكَ إِذَا أَرَدْتُ زِيَارَتَكَ وَلِقَاءَكَ فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: مَنْزِلِي خَلْفَ هَذِهِ اَلنُّطْفَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى اَلْبَحْرِ وَأَمَّا مُصَلاَّيَ فَهَذَا اَلْمَوْضِعُ تُصِيبُنِي فِيهِ إِذَا أَرَدْتَنِي إِنْ شَاءَ اَللهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ اَلرَّجُلُ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَلَكَ حَاجَةٌ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: نَعَمْ فَقَالَ لَهُ: وَمَا هِيَ قَالَ تَدْعُو اَللهَ وَأُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِكَ وَأَدْعُو أَنَا فَتُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِي فَقَالَ اَلرَّجُلُ: فَبِمَ نَدْعُو اَللهَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: لِلْمُذْنِبِينَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ اَلرَّجُلُ: لاَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: وَلِمَ فَقَالَ لِأَنِّي قَدْ دَعَوْتُ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ مُنْذُ ثَلاَثِ سِنِينَ بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرَ إِجَابَتَهَا حَتَّى اَلسَّاعَةِ وَأَنَا أَسْتَحْيِي مِنَ اَللهِ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوَهُ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَجَابَنِي فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فَبِمَ دَعَوْتَهُ فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: إِنِّي فِي مُصَلاَّيَ هَذَا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ مَرَّ بِي غُلاَمٌ أَرْوَعُ اَلنُّورُ يَطْلُعُ مِنْ جَبْهَتِهِ لَهُ ذُؤَابَةٌ مِنْ خَلْفِهِ وَمَعَهُ بَقَرٌ يَسُوقُهَا كَأَنَّمَا دُهِنَتْ دَهْناً وَغَنَمٌ يَسُوقُهَا كَأَنَّمَا دُخِسَتْ دَخَساً فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا غُلاَمُ لِمَنْ هَذَا اَلْبَقَرُ وَاَلْغَنَمُ فَقَالَ لِي: لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ فَقَالَ: أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اَلرَّحْمَنِ فَدَعَوْتُ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُرِيَنِي خَلِيلَهُ .. الحديث))[4].
[1] سورة النساء، الآية: 125.
[2] سورة الأنبياء، الآية: 69.
[3] الكافي، ج 4، ص 40.
[4] الكافي، ج 8، ص 392.
تعليق