بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾[1].
﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾، أي جعل الشحّ حاضرا للأنفس لا يغيب عنها إذ النفوس مطبوعة عليه. وهي هنا تعني البخل بالشيء القليل، والغرض من إيرادها هو كون المرأة لا تسمح لنفسها بصرف النظر عن حقها وقسمها، والرجل - كذلك - يظن بأن يسمع لها ويتعبها في بيتها ولا سيّما إذا أحبّ غيرها وكرهها، وفي تلك الحالة لا بد من الافتراق.
والفرق بين الشح والبخل أن الشح بخل مع حرص، بخلاف البخل الذي هو مجرد بخل.
فالشح إذا أشد من البخل، وهو يكون في المال وفي كل معروف، ومنه قوله تعالى: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾[2].
وفي رواية عَنْ رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ: ((لاَ يَجْتَمِعُ اَلشُّحُّ وَاَلْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَداً))[3].
بيان ذلك أن الشح حالة غريزية جبل عليها الإنسان الشحيح، فهي كالوصف اللازم له، ومركزها النفس. فاذا انتهى سلطان الشح الى القلب واستولى عليه، عري القلب عن الإيمان لأنه يشح بالطاعة ولا يبذل الانقياد لأمر الله جلّ وعلا.
وقد قال بعض العارفين: الشح في نفس الإنسان ليس بمذموم لأنه طبيعة، خلقه الله تعالى في النفوس كالشهوة والحرص والحسد لابتلاء البشر ولمصلحة عمران الكون. وإنما المذموم أن يستولي سلطانه على القلب فيطاع.
﴿وإِنْ تُحْسِنُوا وتَتَّقُوا﴾، هو هتاف صارخ للنفوس المؤمنة ألا تطيش في جوّ الإصلاح، ثم ولا يعني الإصلاح إلا وسط الأمر بين الأمرين، دون انحياز إلى جانب والآخر قاحل بلا نصيب، فالإحسان هو العطف إلى جانب الزوجة والتقوى هي عن الإجحاف بها عدلا في الإصلاح. إحسانا بحقها وتقوى الله في مصالحتها، دون أن يحكمه الشح فيما يشتهيه فيفتدي بها لشهوته ومثل ذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ﴾[4]، بل عليه ملازمة الإحسان بحقها وتقوى الله في الحقوق التي قررها بينهما. ولأن الله لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها فلا يتطلب من البعولة العدل بين النساء في الحب والرغبة، بل الواجب هو العدل في القسم والنفقة.
وبتعبير أوضح أي تفعلوا فعلا حسنا من حيث المعاشرة والاختلاط - وهو هنا سبحانه يتكلم عن الزوجات وأزواجهن - فاذا فعلوا ما هو ممدوح شرعا وعرفا فيما بينهم، ثم اتّقوا النشوز وما يجرّه من أضرار الظلم بالزوجة أو الزوج، وتجنّبوا الخصومة الزوجية التي تحصل في مثل هذه الظروف ﴿فَإِنَّ اَللّٰهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾، عارفا عالما يميّز الأعمال الحسنة من الأعمال القبيحة السيئة مما يجّره النشوز بين الزوجين.
وفي بعض الحالات تعرض اسباب تستثير ذلك الشح الدفين في نفس الزوج على زوجته، فقد يطمع في شيء من صداقها أو نفقتها أو ليلتها - إن كانت له زوجة أخرى - فإرضاء لهذا الشح تستبقي معه عقدة النكاح، حيث يسمح لها التنازل عن حقوق لها مفروضة عليه لصالحها.
ففي خوف نشوز البعل على الزوجة المحاولة الصالحة للصدّ عنه تنازلا عما يجوز من حقها، وعلى بعلها أن يتسامح معها فلا يشحّ في استئصال حقوقها إبقاء عليها فلا يطلقها.
ولأن الرجل أقدر من المرأة على تخفيف شحّه، وهي المسكينة تظل تحت ظله ورعايته، فعليه أكثر مما عليها من التنازل في الصلح وحتى إذا كانت هي الناشزة فضلا عن نشوزه.
وخلاف الشح ما ورد عَنِ اَلصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ: ((أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي مَرَضِهِ فَيُطَافُ بِهِ بَيْنَهُنَّ))[5].
[1] سورة النساء، الآية: 128.
[2] سورة الأحزاب، الآية: 19.
[3] وسائل الشيعة، ج 9، ص 40.
[4] سورة الحشر، الآية: 9.
[5] وسائل الشيعة، ج 21، ص 343.
تعليق