بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[1].
والمقصود لا تقدروا أبدا أن تسوّوا بين النساء في المحبّة والمودّة في القلب ﴿ولَوْ حَرَصْتُمْ﴾، على تحرّي ذلك وبالغتم فيه، لأنّ العدل ألا يقع ميل البتّة، وهو متعذّر.
ولذلك كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسم بين نسائه فيعدل. فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان يضيق في هذه الحالة ويرى صعوبة العدل بين النساء من حيث الميل القلبي ومن حيث العاطفة التي يملكها الله تعالى، وكان يعتذر من نسائه بعد القسمة بينهنّ مع أن قسمته (صلّى الله عليه وآله) في غاية العدل.
وقيل: إنّ العدل بينهنّ (النساء) صعب، وهو أن يسوّي بينهنّ في القسمة والنفقة والتعهّد والنظر والمؤانسة، وغير ذلك ممّا لا يحصى، فهو كالخارج عن حدّ الاستطاعة. هذا إذا كنّ محبوبات كلّهنّ، فكيف إذا مال القلب مع بعضهنّ؟! ﴿فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ﴾، ولا تعدلوا بأهوائكم عمّن لم تملكوا محبّة منهنّ كلّ العدول بترك المستطاع أيضا، والجور على المرغوب عنها، فإنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، فلا تجوروا عليهنّ في ترك أداء الواجب لهنّ عليكم، من حقّ القسمة والنفقة والكسوة والعشرة بالمعروف من غير رضا منها.
وقد ورد عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ قَالَ: سَأَلَ اِبْنُ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ هِشَامَ بْنَ اَلْحَكَمِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ((﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ﴾، أَيُّ حَكِيمٍ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَوَابٌ فَرَحَلَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: يَا هِشَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ حَجٍّ وَلاَ عُمْرَةٍ قَالَ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِأَمْرٍ أَهَمَّنِي إِنَّ اِبْنَ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ سَأَلَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيهَا شَيْءٌ قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ بِالْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً﴾، يَعْنِي فِي اَلنَّفَقَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ﴾، يَعْنِي فِي اَلْمَوَدَّةِ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ هِشَامٌ بِهَذَا اَلْجَوَابِ وَأَخْبَرَهُ قَالَ وَاَللهِ مَا هَذَا مِنْ عِنْدِكَ))[2].
ويؤيد القول بأن الله سبحانه نفى استطاعة العدل بين النساء الضرائر من ناحية الميل قائلا للرجال: ﴿لَوْ حَرَصْتُمْ﴾، على العدل القلبي وبذلتم كل جهد عقلي، فلا بدّ من ميل لواحدة أكثر من ضرتها. فهو سبحانه أعلم بحال الناس، وأعرف بقلوب الرجال، وأدرى بشؤون النساء - وهو خالق كل ذلك - ولذا نفى العدل وأكد بلفظة: لن، التي تفيد التأييد وشبه الاستحالة الواقعية من غير أن يستثني أحدا حتى الأنبياء الكرام والرّسل العظام. فلن يقدر رجل على الميل لزوجاته المتعددات بالتساوي، كما أنه لا يمكن أن يحصل على ميلهنّ كلهن اليه بالتساوي والنسبة الواحدة، ولا يحصل على رضاهن كما أنه لا يستطيع إرضاءهن بقسمة الليالي مهما تكلّف من التصنع. فأنتم - أيها الرجال - مكلّفون بالعدل بمقدار استطاعتكم للعدل الذي تملكون أمره، بالحرص على العدل ممّا أنتم مجبولون عليه من عاطفة الحب والكره، أي الميل القلبي. نعم ﴿فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ﴾، أي لا تعرضوا تمام الإعراض عن واحدة منهن، ولا تقبلوا كل الإقبال على أخرى، بحيث تنعدم استطاعتكم في محاولة العدل بين نسائكم، وبحيث تقع جفوة للمرغوب عنها. والله تعالى لا يرضى بذلك لأنه ظلم وهو سبحانه لا يحب الظالمين، فاعلموا أن ما لا يدرك بتمام مراتبه، لا يترك بتمامه، أي ما لا يدرك جلّه لا يترك كله. وإنكم إذا ملتم عن واحدة وصرفتم وجهكم عنها، تكونون قد جفوتموها.
[1] سورة النساء، الآية: 129.
[2] الكافي، ج 5، ص 362.
تعليق