بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على المصطفى محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أن كل التأييد والعون والتوفيق الرباني لا يتم بدون ملاكات وأسباب موضوعية يجب أن تتوفر مقدماتها وعللها ليفيض الله تعالى حينها نصره وتأييده على البشرية، سواء أكانت تلك الأسباب في نفس شخصية الإمام (عجّل الله فرجه) ومؤهلاته الخاصة أم من حيث استعداد الناس والمجتمع البشري، فإن الله تعالى كتب على نفسه أن لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهي سنة عامة لا تقبل الاستثناء،
فالانتصار الذي حصل في معركة بدر إنما هو نصر من الله تعالى ولكنه متوقف أيضاً على أسباب لا بد أن تتوفر في طبيعة نفس المسلمين قبل ذلك، فإذا فقدوا تلك الأسباب فإنه يُرفع عنهم النصر ويحرمون التأييد ليهزموا أو يفشلوا، كما حصل ذلك في معركة أحد،
ولو كان الأمر غير ملحوظ فيه الأسباب والشروط السابقة لما كانت هناك حاجة لتأخير الدولة المهدوية كل هذا الزمن الطويل، ولأقامها الله تعالى بالمعجزة والقهر من أول يوم وطأ الإنسان فيه الأرض.
ومن هنا نفهم أن هذه الغيبة الطويلة وترك البشرية لهذه الفترة المديدة ليست مجرد أمر اعتباطي أو عفوي بل هي من ضمن حيثيات هذا الإعداد والتمهيد لبلورة قناعة اختيارية لدى الناس، ترفع من شأن استعداداتهم وقابلياتهم ليكونوا بعد ذلك مستحقّين وجديرين بالعطاء الإلهي والنعمة الإلهية.
وهنا قد يستشكل البعض ويقول:
إن كان الأمر كذلك فإن تحقق هذا الشرط في الناس من الصعوبة والتعقيد بمكان قد يجعله بحكم الممتنع والمستحيل، فمتى تبلغ المجتمعات الانسانية والانسان عموماً هذه المرحلة من الأهلية والاستعداد، والحال أنهم كلما مضى عليهم الزمن أكثر انحدروا في السقوط والفساد أكثر وأكثر؟!
والجواب عن ذلك:
إن الدولة المهدوية غير متوقفة على صلاح المعاصرين والمتزامنين بالضرورة في عصر الظهور، بل هي مشروع إلهي وخطة سماوية يجري الإعداد لها منذ أول الخليقة وإلى آخر يوم، ولن تتوقف على من يكون في عصر الظهور بالخصوص حتى لو افترضنا انحراف جميع الناس حينذاك.
فروي عن الإمام الباقر (عليه السلام):
وإن صاحب هذا الأمر محفوظ له فلا تذهبن يميناً ولا شمالاً، ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله.
[بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص١٩٤].
فإن الله تعالى قدّر وقضى أن يظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، وإنما ينتخب الله تعالى من المؤمنين سواء في الماضي أم الحاضر والمستقبل أولياء له وجنوداً ليقوموا بهذا المشروع وعلى أكتافهم وبجهادهم، وكل مؤمن سواء في عصرنا الحالي أم قبله أم بعده إذا محض الصدق في إيمانه وعقيدته هو من ضمن ممهدات هذه الدولة ونجاحها،
فإن أدركه الأجل والموت بعثه الله تعالى من قبره لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) وإنجاح دولته، وهذه من فلسفة الرجعة والحكمة منها والتي ورد فيها مئات الأحاديث والروايات والتي تؤكد هذه الحقيقة، وهذا هو المعنى الصحيح للانتظار الذي يجب على المؤمنين أن يتحلوا به في مختلف الأزمنة، فإنه لا معنى أن تنتظر شيئاً أنت غير ملحوظ فيه أو مدعو إليه، ولذا وجدنا في الأحاديث أن وجوب الانتظار هو تكليف لجميع المسلمين، حتى لمن كان في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقد روي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم):
أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله (عزَّ وجل).
[كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٤٤]،
وما ذلك إلّا لأن باب النصرة المهدوية ليس محبوساً أو مقتصراً على فئة أو مجموعة قد يتفق وجودها وتعاصرها مع ظهوره الشريف، ولذا نفهم أن التأريخ الانساني بمجموعه العام هو مورد الانتخاب والاجتباء لهؤلاء الأنصار والقائمين بالدولة الإلهية على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وجاء في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام):
قال أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فو الله ما الحق إلّا في أيديكم.
[الكافي للشيخ الكليني: ج٣، ص٥٣٨].
اللهم عجل لوليك الفرج ، واجعلنا من انصاره واعوانه.
تعليق