بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[1].
النص يطرح هنا قضية ترتبط بأهم الدوافع والتركيبة النفسية لها ، فالحاجة إلى الجنس والحاجة الجمالية والحاجة العاطفية لا يمكن أن يتصاعد بها الشخص فطريا بل يتصاعد بها نفسيا ، بمعنى أن الشخص لا يمكنه أن يعدل في الرغبة أو الميل بين هذه الزوجة أو تلك ، نظرا لوجود عناصر فطرية تفرض عليه الميل أو الرغبة لهذا الجانب دون ذاك، ولذلك فليس المطلوب هو تحقيق المعادلة الذاتية بل تحقيق المعادلة الموضوعية أي : تحقيق المعادلة بين الزوجات من حيث النفقة والقسمة ونحوهما من السلوك الخارجي الذي يحسّس الزوجات بموقفه غير المتحيّز لإحداهن دون الأخرى ، لذلك شدّد النص على هذا الجانب قائلا: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾، بصفة أن الشخص إذا لم يكن بمقدوره أن يساوي بينهن من حيث الميل النفسي، فإنه بمقدوره أن يساوي بينهن من حيث المظهر الخارجي للسلوك ، فإذا لم يساو بينهن من حيث المظهر الخارجي حينئذ يصبح سلوكه مؤشّرا إلى كونه حاملا لسمة الانحراف: طالما لا يمارس عملية تأجيل لشهواته التي يتعين أن يسيطر عليها، إذ من الواضح أنّ النزعة الإيجابية لدى الشخص تفرض عليه أن يتعامل خارجيا بشكل موضوعي كأن يصرف وقتا لهذه الزوجة التي لا يميل إليها كليا يماثل الوقت الذي يصرفه لمن يميل إليها. والأمر كذلك بالنسبة للنفقة من حيث المسكن والمطعم ونحوهما، حيث يظل إجباره نفسه على هذا التعامل الموضوعي، مفصحا عن كونه سويّا لا شذوذ فيه، كما أنه يدرّبه على تعلّم السلوك السوي في حالة إجباره ذاته على مثل هذا التعامل.
فقوله تعالى: ﴿فَتَذَرُوها﴾، أي تدعون من لا رغبة قلبية لكم إليها
﴿كَالْمُعَلَّقَةِ﴾، فالمعلقة هي التي علقت فلا هي مستريحة بالزوج ولا هي مستريحة بعدم الزوج، فتكون في عذاب وشقاء، وإذا لم يكن باستطاعتكم العدالة فباستطاعتكم عدم الميل الكلي.
لا أيّما حتّى تختار زوجا، ولا ذات بعل حتّى تنتفع ببعلها.
وعن ابن مسعود: فتذروها كالمسجونة.
وفي مجمع البيان عن رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ وَيَقُولُ: ((اَللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلاَ تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلاَ أَمْلِكُ))[2].
وأيا كان، يعنينا بعد ذلك أن نشير إلى العمارة الفنية لهذا المقطع وصلته بهيكل السورة العام، وهو هيكل قائم على عرض مختلف العلاقات بين الجنسين وما يواكبها من علاقات اجتماعية، حيث لحظنا كيف أنّ القسم الأول من السورة عرض لقضية العلاقة بين الرجل والمرأة والحرص على تثبيت علاقة التعاون بينهما، حتى في حالات التنافر الذي يحدث من قبل أحدهما، حيث يطالب النص بمحاولة الإصلاح ما أمكن، إلا في حالة تعذّر ذلك، وحينئذ يقرّر في الآية التالية قائلا: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اَللّٰهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ﴾، حيث يصبح الافتراق بينهما محكوما بالضرورة، ما دام الهدف هو تحقيق علاقات التعاون وليس التنافر كما هو واضح. والمهم بعد ذلك، أن النص القرآني الكريم طرح هذه الأشكال من العلاقات المختلفة من خلال إخضاعها لعنصر فكري مشترك بينها، مفصحا بذلك عن إحكام عمارة النص القرآني الكريم.
أما قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصْلِحُوا﴾، ما كنتم تفسدون من أمورهنّ في القسمة والتسوية ﴿وَتَتَّقُوا﴾، فيما يستقبل في أمرهنّ، وتتركوا الميل الّذي نهاكم اللّه عنه ﴿فَإِنَّ اَللّٰهَ كانَ غَفُوراً﴾، فيغفر لكم ما مضى من ميلكم، من الحيف والميل في ذلك ﴿رَحِيماً﴾، يرحمكم بترك المؤاخذة على ذلك.
[1] سورة النساء، الآية: 129.
[2] تفسير الصافي، ج 1، ص 508.
تعليق