بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾[1].
الكلام هنا يدلل على وجود طبقات للنار مرتبة حسب أعمال الناس، فالدرك هي الطبقة الّتي في قعر جهنّم. وإنّما كان كذلك لأنّ المنافقين أخبث الكفرة، إذ ضمّوا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعا للمسلمين. وأمّا قوله صلّى الله عليه وآله: ((ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ كانَ مُنافِقاً وإن صامَ وصلّى وزَعَمَ أنّهُ مُسلِمٌ: مَن إذا ائتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخلَفَ))[2]، ونحوه فمن باب التشبيه والتغليظ. وإنّما سمّيت طبقاتها السبع دركات لأنّها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض.
﴿الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ﴾، أي في الطبقة السفلى من النار فإنّ للنار طبقات ودركات كما أنّ للجنّة درجات فيكون المنافق على أسفل طبقة منها لقبح عمله. وقيل: إنّ المنافقين في توابيت من حديد مغلقة عليهم في النار. وقيل: إنّ الإدراك يجوز أن يكون منازل بعضها أسفل من بعض بالمسافة، ويجوز أن يكون ذلك إخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب كما يقال: إنّ السلطان بلّغ فلانا الحضيض وبلّغ فلانا العرش، يريدون بذلك انحطاط المنزلة وعلوّها لا المسافة.
﴿وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾، ولا تجد يا محمّد لهؤلاء المنافقين ناصرا ينصرهم فينقذهم من عذاب الله إذ جعلهم في أسفل طبقة من النار.
لجهنم أبواب سبع ودركات مختلفة، ولكن نارها ليست كنيران الدنيا بل تتميز بالخصائص الآتية: -
1- وقودها الناس والحجارة.
2- تطلع على الأفئدة، وتنفذ شراراتها إلى القلوب.
3- تسحق كل شي وتقضي عليه وتحطمه.
4- فيها دَرَك يدعو المجرمين إليه.
5- تعرف المجرمين وتستقبلهم بتغَيُّضها وزفيرها.
6- متحركة.
7- مـحيطة بالكافرين.
في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السَّلام: ((في قوله: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[3]، فوقوفهم على الصراط.
وأما: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾[4]، فبلغني والله أعلم أن الله جعلها سبع دركات أعلاها الجحيم، يقوم أهلها على الصفا منها، تغلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها.
والثانية: لظى ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى* تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى*وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾[5].
والثالثة: سقر ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾[6].
والرابعة: الْحُطَمَةُ، ومنها يثور شرر كالقصر ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾[7]، تدق كل من صار إليها مثل الكحل، فلا يموت الروح، كلما صاروا مثل الكحل عادوا .
والخامسة: الهاوية، فيها ملأ يدعون يا مالك أغثنا، فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار، فيه صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مُهل، فإذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدة حرِّها، وهو قول الله تعالى: ﴿.. وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾[8]، ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار، كلما احترق جلده بُدِّل جلدا غيره .
والسادسة: هي السعير، فيها ثلاث مائة سُرادق من نار، في كل سرادق ثلاث مائة قصر من نار، في كل قصر ثلاث مائة بيت من نار، في كل بيت ثلاث مائة لون من عذاب النار، فيها حيات من نار، وعقارب من نار، وجوامع من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، وهو الذي يقول الله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾[9].
والسابعة: جهنم ، وفيها الفلق، وهو جُبُّ في جهنم، إذا فُتح أسعر النار سعراً، وهو أشد النار عذابا، وأما صَعُوداً فجبل من صفر من نار وسط جهنم، وأما أَثاماً فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل، فهو أشد النار عذابا)).[10]
[1] سورة النساء، الآية: 145.
[2] الكافي، ج 2، ص 290.
[3] سورة الحجر، الآية: 43.
[4] سورة الحجر، الآية: 44.
[5] سورة المعارج، الآيات: 16-18.
[6] سورة المدثر، الآيات: 28-30.
[7] سورة المرسلات، الآية: 33.
[8] سورة الكهف، الآية: 29.
[9] سورة الإنسان، الآية: 4.
[10] بحار الأنوار، ج 8، ص 290.
تعليق