بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَّا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾[1].
﴿لَّا يُحِبُّ﴾، هي في التعبير الرباني عبارة أخرى عن «يبغض» إذ لا يخلو ربنا بالنسبة لأفعال عباده وتروكهم عن حب أو بغض، حيث العوان بينهما دون حب أو بغض هو الجاهل، أو غير المتولي ربوبية لما يفعل أو يترك، فأما الرب الناظر البصير بكل مسير ومصير فهو إما محب أو مبغض يعنيان الثواب والعقاب. فكما أن لكل مفروض ثوابا وعلى كل مرفوض عقابا، كذلك في كل منهما حب من الله أو بغض لا يعنيان حالة كما في الخلق، فإنما غضب الله عذابه كما أن حبه ثوابه.
و ﴿اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ﴾، تعم الجهر بسوء ما عمله عامله وهو مستور، اغتيابا أم بحضرته أم جهرا بالقول السوء على المسيء غير ما فعل، أم على ما فعل، أم فرية عليه وبهتانا. فالجهر بالسوء من القول على أية حال مبغوض عند الله مرفوض مهما اختلفت دركاته، فالدعاء والدعاية الجاهرة بالسوء من القول محرمة اغتيابا أو بهتانا أو إيذاء، ولا أجمع من ﴿اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ﴾، حيث تشمل كل إساءة قولية جاهرة بحق الآخرين، حيث تؤذيه وتشجّع السامعين على السوء، وعلى الجهر بالسوء، وعلى من أسيء إليه، وهو في جملة جميلة نظيرة لهذه الآية: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي اَلدُّنْيا وَاَلْآخِرَةِ وَاَللّٰهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[2]، أجل، وربّ كلمة عابرة لا يتحسب قائلها حسابا لما تحتها من خلفيات سوء، أو شائعة عابرة لم يقصد بها إلاّ فردا من الناس، وهي كما هي تترك في نفسية المجتمع وفي أخلاقهم وفي اختلاق جو مظلم وآثارا مدمّرة حيث تتجاوز الآحاد الى المجتمعات.
واللسان المجاهر بالسوء من القول ليس وراءه عقلية إيمانية وتحرّج عما يحصد من سوء، تدميرا للثقات المتبادلة حيث يخيّل إليهم غلب الشر رغم فرديته القليلة، والويل إن كان بهتانا لا أصل له.
فقولة السوء الجاهرة حين تنتشر تصبح كالمنشار، تنشر قدر ما تنتشر، فتهون عملية السوء في المجتمع المنشور فيه، وتتعوّد الألسنة على الجهر بالسوء، وتشجّع كوامن السوء باقترابه على اقترافه، فهنالك الطامة الكبرى بخلفية الانحلال الجماعي والفوضى الخلقية، بما لاكته الألسن الهرجة المرجة دون تحرّج.
فهذه السلبية الباتة هي من الأصول الخلقية العامة الإسلامية غير المستثناة اللّهم: ﴿إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ﴾، فالمظلوم له جهر بالسوء انتصارا على ظالمه ﴿ولَمَنِ اِنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ* إِنَّمَا اَلسَّبِيلُ عَلَى اَلَّذِينَ يَظْلِمُونَ اَلنّٰاسَ ويَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾[3].
وقد تعني ﴿مَنْ ظُلِمَ﴾، - بمن عنت - الجهر بالسوء من القول على المظلوم الساكت وفي سكوته تشجيع للظالم، وعلّه لذلك الشمول لم يقل «إلا ممن ظلم» حتى تشمل «على من ظلم» فليجهر بالسوء من القول عليه تنديدا به وتشنيعا لماذا لا ينتصر من ظالمه ولا يفضحه وإن في الجهر بالسوء من القول عليه، أو تجهر بالسوء على ظالمه حين لا يستطيع المظلوم أن يجهر به حيث لا يجد له حيلة ولا يهتدي سبيلا. فللمظلوم الجهر بالسوء من القول على ظالمه اعتداء بالمثل، أو انتصارا عليه دعاية أو منعة عن ظلمه، ولكنه إن عفي عنه - فيما يجدي العفو إعفاء عن ظلمه وإصلاحا له - فهو محبور مشكور.
وقد يحرم إذا ازداده ذلك الجهر ظلما وعتوا، وبينهما عوان انتصارا راجحا وإن في الاعتداء عليه بمثل ما اعتدى. ذلك ﴿وكانَ اَللّٰهُ سَمِيعاً﴾، أقوالكم «عليما» بأحوالكم، لا تخفى عنه خافية، فهو عليم موارد الحظر والسماح للجهر بالسوء من القول، دون أن ينغر بغرور ويحتال باحتيال هؤلاء الذين يجهرون بالسوء من القول على الأبرياء ﴿وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾[4].
[1] سورة النساء، الآية: 148.
[2] سورة النور، الآية: 19.
[3] سورة الشورى، الآيتان: 41-42.
[4] سورة الكهف، الآية: 104.
تعليق