بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾[1].
بحسب السياق الكلام عن اليهود ولا شكّ أن القرآن واقعا وعند كل من له عقيدة به نازل ﴿مِنَ اَلسَّماءِ﴾، وإنما سأل اليهود أن ينزّل عليهم محمّد ﴿كِتاباً مِنَ اَلسَّماءِ﴾، للتشكك منهم في سماويته فأرادوا منه لأجل تثبيت الأيمان به في قلوبهم أن يروه بأعينهم كيف يصعد امامهم الى السماء بجسده وينزل وبيده كتاب مكتوب حتى لا تبقى في أنفسهم ظنة منه، وطبعا ما سألوه منه فيه نوع من الأعجاز وإنما لم يجابوا اليه لأن فعل المعجز ليس الى رغبة المكلّف بل ارادته وفعله مربوطان بالله سبحانه حسبما يراه من المصلحة والحكمة؛ فإنّ العامي قد يريد السخائف بلون المعجز وليس لزوما على الله أن يجيبه الى ما أراد، بل عليه أن يفعل من المعجزات ما يتوافق مع المصلحة والحكمة والقرآن من هذا القبيل. ودليل اعجازه تحدّيه فهلا تحدّاه اليهود حتى يبطلوا دعوة النبي المستند اليه المعتزّ به ولذلك قال سبحانه في مقام التسلية والتخفيف عن عاطفة النبي ما مفاده أن القوم إن يسألوك أن تعرج بجسدك الى السماء وتنزل عليهم على منظر منهم وبيدك كتاب من السماء يشهد بنبوتك وصدقك ولزوم الأخذ بمضامينه فلا عليك من هذا السؤال فانه للتعنّت منهم وهذا قرآنك سماوي من أعلى طراز وقد تحديتهم به فلم يأتوا بشيء في معارضته وإن لهؤلاء القوم سوابق سخيفة مع نبيّهم موسى
فسؤالهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن ينزّل عليهم كتابا من السماء.
إن أمثلة هذا السؤال تظل مجرّد قناع تستّر به المنحرف للهروب من مواجهة الواقع، لذلك عرض النص مواقف سابقة لليهود تعدّ أكبر جناية من جنايتهم حيال محمد (صلى الله عليه وآله) حيث طلبوا من موسى قائلين: ﴿أَرِنَا اَللّٰهَ جَهْرَةً﴾، ثم اتخذوا العجل آلهة لهم، فأخذتهم الصاعقة جزاء لسؤالهم الأول، ثم عفي عنهم، بل منحوا فرصا جديدة لتعديل السلوك وأغدقت النعم عليهم، لكنهم درجوا على نقض المواثيق، إنهم يخالفون كل أوامر السماء.
لذلك يجيء سؤالهم لمحمّد (صلى الله عليه وآله) بأن ينزّل عليهم كتابا من السماء مجرد قناع - كما قلنا - يتستّرون به للهروب من مواجهة الرسالة الإسلامية. وما يعنينا من ذلك هو: المنحى الفنيّ الذي سلكه النص في الكشف عن حقيقة الشخصية اليهودية وذلك من خلال عرضه لمواقف سابقة لهم، حيث يتابع عرض المواقف ويعقّب على ذلك بعرض مواقف أخرى عبر صياغة قصصية على هذا النحو.
وقد ورد عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَقَدْ قُلْتُ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ إِنَّ اَلنَّاسَ يَنْسُبُونَنَا إِلَى عَظَائِمِ اَلْأُمُورِ وَقَدْ ضَاقَتْ بِذَلِكَ صُدُورُنَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((يَا عَلْقَمَةُ إِنَّ رِضَا اَلنَّاسِ لاَ يُمْلَكُ وَأَلْسِنَتَهُمْ لاَ تُضْبَطُ وَكَيْفَ تَسْلَمُونَ مِمَّا لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ أَنْبِيَاءُ اَللهِ وَرُسُلُهُ وَحُجَجُ اَللهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَلَمْ يَنْسُبُوا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَنَّهُ هَمَّ بِالزِّنَا أَلَمْ يَنْسُبُوا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِذُنُوبِهِ أَلَمْ يَنْسُبُوا دَاوُدَ إِلَى أَنَّهُ تَبِعَ اَلطَّيْرَ حَتَّى نَظَرَ إِلَى اِمْرَأَةِ أُورِيَاءَ فَهَوِيَهَا وَأَنَّهُ قَدَّمَ زَوْجَهَا أَمَامَ اَلتَّابُوتِ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا أَلَمْ يَنْسُبُوا مُوسَى إِلَى أَنَّهُ عِنِّينٌ وَآذَوْهُ حَتَّى ﴿فَبَرَّأَهُ اَللّٰهُ مِمّٰا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اَللّٰهِ وَجِيهاً﴾[2]، أَلَمْ يَنْسُبُوا جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اَللهِ إِلَى أَنَّهُمْ سَحَرَةٌ طَلَبَةُ اَلدُّنْيَا أَلَمْ يَنْسُبُوا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ إِلَى أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعِيسَى مِنْ رَجُلٍ نَجَّارٍ اِسْمُهُ يُوسُفُ أَلَمْ يَنْسُبُوا نَبِيَّنَا محمد [مُحَمَّداً] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَى أَنَّهُ شَاعِرٌ مَجْنُونٌ أَلَمْ يَنْسُبُوهُ إِلَى أَنَّهُ هَوِيَ اِمْرَأَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى اِسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ..))[3].
[1] سورة النساء، الآية: 153.
[2] سورة الأحزاب، الآية: 69.
[3] الأمالي(للصدوق)، ج 1، ص 102.
تعليق