بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[1].
حصل اختلاف كبير وسفسطة في مسألة التشبيه الذي ذكره القرآن الكريم قطعا للادعاء الفاسد بأن النبي عيسى عليه السلام قد قتل على يد الرومان بوشاية اليهود وما المشاكل المزعومة في ذلك التشبيه، بعد الإياس عن أي تأويل إلا اضطراب القتيل.
فإلقاء شبه إنسان على آخر لمصلحة ملزمة آية رسالية من الله لمرة واحدة على مدار الزمن لا يفتح باب السفسطة، وإنما سد هنا باب المرطقة الصليبية على المجازفين فيها. فلا يعني ذلك الإلقاء لمرة يتيمة أن الله يلقي شبه كل إنسان على آخر على طول الخط، كما لا يعني حية العصى لموسى عليه السلام أن كل عصى تبدل حية تسعى، ولا خروج الجمل عن الجبل لصالح عليه السلام أن كل جبل يخرج منه جمل، ولا إشارة محمد (صلّى الله عليه وآله) الى القمر حيث انشق بها القمر، أن كل إشارة من كل مشير الى القمر ينشق بها القمر.
وأما أن الله أيده بروح القدس فهل عجز هنا عن تأييده فاضطر الى هذه الحيلة؟ فذلك التأييد الأكيد هو الذي نجاه من ذلك القتل اللعين وهم يتقولون إنه صلب هكذا وبكل مهانة ومذلة فأين - إذا - ذلك التأييد! فهل إن إلقاء شبهه على عدوه ورفعه الى السماء عجز ومهانة، وإلغاؤه في ذلك المسرح اللعين قوة وكرامة؟ وأما أن واقع ذلك الإلقاء لا يحول اليهود عن يقين الصلب، فغير واقع كما يزعمون، حيث بيّن القرآن ذلك الواقع وخطأ اليهود في يقينهم والنصارى في شكهم ولا ينبئك مثل خبير، كما ونصوص من التوراة والإنجيل تتجاوب مع القرآن في ذلك التكذيب. فالظن ممن أدعو قتله، والظن منهم حيث رأوا كأن المسيح (عليه السّلام) صلب، ولكن: ﴿وما قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾، ثابتا لا حول عنه، لذلك قال تعالى: ﴿بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾، وما من أحد من هؤلاء وهؤلاء يقول ما يقوله عن يقين إلاّ ظنا، فلقد تتابعت الأحداث سراعا وتضاربت الروايات وتداخلت حول صلبه في تلك الفترة بحيث يصعب الاهتداء فيها الى يقين إلاّ ما يقصه القرآن العظيم، حيث الأناجيل - وحتى الأربعة المصفّاة من بينها - كتبت بأيدي غير أمينة بعد فترة من عهد المسيح وهي متضادة في نقل القصة، كيف لا والحضور في واقع القصة كانوا حيارى مما حصل فضلا عمن بعدهم من المضطهدين لإنجيله!.
وجاء في الأثر أن اليهود تجمّعوا وتعاقدوا على قتل عيسى فبعث الله تعالى جبرئيل ليمنعه منهم ويعينه عليهم فأدخله جبرئيل في خوخة البيت ولها روزنة في سقفها فرفعه الى السماء وأرسل اليهود واحدا منهم ليدخل عليه البيت فيقتله فدخل ولم ير أحدا فألقى الله عليه شبه عيسى فلمّا آيس من وجود أحد في البيت خرج على أصحابه فظنوه عيسى خرج فارّا من صاحبهم فقتلوه وانتظروا خروج صاحبهم فلم يكن شيء فدخلوا فلم يجدوا أحدا فارتابوا وقالوا إن كان المقتول عيسى فأين صاحبنا وإن كان المقتول صاحبنا فأين عيسى.
فهو ردّ حتمي لكل من اشتبه امر عيسى عليه ﴿وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾، لا يغالب حَكِيماً يوقع الأمور في مواقعها.
عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: ((إِنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَزَلَ عَلَيَّ بِكِتَابٍ فِيهِ.. بَعَثَ اَللهُ عَزَّ وجَلَّ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ واِسْتَوْدَعَهُ اَلنُّورَ واَلْعِلْمَ واَلْحِكْمَةَ.. فَمَكَثَ يَدْعُوهُمْ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيمَا عِنْدَ اَللهِ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً حَتَّى طَلَبَتْهُ اَلْيَهُودُ وَاِدَّعَتْ أَنَّهَا عَذَّبَتْهُ وَدَفَنَتْهُ فِي اَلْأَرْضِ حَيّاً وَاِدَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ وَمَا كَانَ اَللهُ لِيَجْعَلَ لَهُمْ سُلْطَاناً عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَهُمْ وَمَا قَدَرُوا عَلَى عَذَابِهِ وَدَفْنِهِ وَلاَ عَلَى قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ كَانَ تَكْذِيباً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ رَفَعَهُ اَللّٰهُ إِلَيْهِ..))[2].
[1] سورة النساء، الآية: 158.
[2] بحار الأنوار، ج 14، ص 515.
تعليق