اللهم صل على محمد وآل محمد
من الآيات المعروفة والمهمة في الحياة الزوجية؛ هي هذه الآية من سورة الروم:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)[1]،
ثم يقول بعد ذلك:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[2]،
وأنا لست في الواقع بصدد تفسير هذه الآيات الشريفة، وإنَّما في مقام الاستيحاء منها؛ لئلَّا نقع في مشكلة التفسير بالرأي؛
فلعل ما نقول ليس هو مراد الله عز وجل؛ بل فهمنا من الآيات الكريمة.
إن أول شيء يذكره القرآن الكريم؛ هو القضية التكوينية، وقد نسب الخلق إلى نفسه؛ ففاعل خلق هو الله عز وجل، والتعبير القرآني في قوله: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[3]
هو تعبير دقيق جدا؛ فما قال سبحانه: لتسكنوا بها أو لها أو فيها بل قال سبحانه إليها، والله العالم، قد يكون المراد من التعبير هذا؛ أن الزواج ضروري للطرفين فلا منة للرجل على المرأة ولا منة للمرأة على الرجل،
وفي الواقع هناك انجذاب من الطرفين، وكل طرف منهما يكمل الآخر وهناك حركة تجاه بعضهما البعض.
وإنَّ الله عز وجل جعل الغريزة بين الجنسين لتكون متممة لهذه العملية التي فيها من المشاق ما فيها؛ من قبيل الإنفاق وتربية الأولاد وتكاليف الحياة
وإن كانت المرأة أشد حياءً من الرجل؛ فقبول البنت هو سكوتها ولهذا تؤخذ الوكالة منها في عقد الزواج لأن الحياء يمنعها من المبادرة في الزواج
وقد جعل الله عز وجل لحكمة ما تجاذب بين الزوجين، ولهذا أشار بعض المفسرون إلى أن صدر الآية قد تشير إلى التجاذب الموجود بين الزوجين.
وتنتقل الآية بعد ذلك إلى مسألة أخرى وهي مسألة: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[4]،
والخلق من دون هذا الجعل خلق عقيم؛ فالله سبحانه وتعالى لم يجعل مبدأ التزاوج ولم يخلق هذه الشهوات ولم يجعل هذه الجاذبية والسكون إلى الزوج؛
لأجل تهدئة فوران الشهوة الجنسية فقط؛
فالقضية أرقى من ذلك وأعمق، ولهذا قال القرآن الكريم:
(وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[5]،
وهنا يجب الالتفات إلى عدة عناصر منها:
أنَّ أرضية السكون والارتياح مهيئة، ومن لا يهنئ بزواجه ولا يتمتع به هو في الواقع يعيش عكس الحالة الطبيعية لعالم الوجود؛
فإن الله سبحانه قد جعل قابلية السكون في كلا الزوجين والمرء هو المقصر في التنغيص على نفسه وقلب الحياة الزوجية من حالة السكون إلى حالة الاضطراب، ولهذا تعبير الخلق هو تعبير قوي جداً؛ فهذه القابلية مخلوقة في وجود الإنسان.
الشيخ حبيب الكاظمي
---------------
المصادر
[1] سورة الروم: 20.
[2] سورة الروم: 21.
[3] سورة الروم: 21.
[4] سورة الروم: 21.
[5] سورة الروم: 21.