بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ ۖ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[1].
﴿شَعَائِرَ اللهِ﴾، مناسك الحجّ وأعماله. جمع شعيرة، وهي اسم ما أشعر، أي: ما جعل شعارا. سمّي به أعمال الحجّ ومواقفه، لأنّها علامات الحجّ وأعلام النسك. وقيل: الهدايا المعلمة للذبح بمكّة. وقيل: دين الله، لقوله: ﴿ومَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اَللّٰهِ﴾[2]، أي: دينه. وقيل: فرائضه الّتي حدّها لعباده. فالمعنى: لا تحلّوا حرمات الله، ولا تتعدّوا حدوده. والأوّل أصحّ وأشهر بين المفسّرين. وروي عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ اَلْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((سَأَلْتُهُ عَنِ اَلسَّعْيِ بَيْنَ اَلصَّفَا وَاَلْمَرْوَةِ، فَقَالَ جُعِلَ لِسَعْيِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ))[3].
﴿ولاَ اَلشَّهْرَ اَلْحَرامَ﴾، بالقتال فيه، كما قال سبحانه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾[4]، أو بالنسيء، كقوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾[5]. وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، والأشهر الحرم هي: رجب، وشوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة.
﴿ولاَ اَلْهَدْيَ﴾، ما أهدي إلى الكعبة، جمع هدية، كجدي في جمع جدية السرج، وهي شيء يحشى ثم يربط تحت دفّتي السرج.
﴿ولاَ اَلْقَلائِدَ﴾، أي: ذوات القلائد من الهدي. وعطفها على الهدي للاختصاص وزيادة التوصية بها، فإنّها أشرف الهدي، كقوله: ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾[6]. أو القلائد نفسها. والنهي عن إحلالها مبالغة في النهي عن التعرّض للهدي، كأنّه قيل: ولا تحلّوا قلائدها، فضلا عن أن تحلّوها. ونظيره قوله: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾[7]، فنهي عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها. والقلائد جمع قلادة، وهي ما قلّد به الهدي من نعل أو غيره ليعلم به أنّه هدي فلا يتعرّض له. وإحلال هذه الأشياء أن يتهاون بحرمتها ويضيّع، وأن يحال بينها وبين المتنسّكين بها، وأن يحدث في أشهر الحجّ ما يصدّ الناس به عن الحجّ، وأن يتعرّض للهدي بالغصب أو بالمنع من بلوغ محلّه.
﴿ولاَ آمِّينَ اَلْبَيْتَ اَلْحَرامَ﴾، قاصدين لزيارته، وهم الحجّاج والعمّار ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ في الآخرة ورِضْواناً﴾، أي: يطلبون أن يثيبهم ويرضى عنهم. والجملة في موضع الحال من المستكن في ﴿آمّين﴾، وليست صفة، لأنّه عامل والمختار أنّ اسم الفاعل الموصوف لا يعمل. والمراد استنكار تعرّض من هذا شأنه.
وقيل: معناه يبتغون من الله رزقا بالتجارة ورضوانا بزعمهم، وقال الحويزي في تفسيره: [إذ روي أنّ الآية نزلت عندما أَقْبَلَ اَلْحُطَمُ بْنُ هِنْدٍ اَلْبَكْرِيُّ حَتَّى أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَخَلَّفَ خَيْلَهُ خَارِجَ اَلْمَدِينَةِ فَقَالَ، إِلَى مَا تَدْعُو؟ وَقَدْ كَانَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ بَنَى رَبِيعَةَ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ، فَلَمَّا أَجَابَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ، أَنْظِرْنِي لَعَلِّي أُسْلِمُ وَلِيَ مَنْ أُشَاوِرُهُ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهٍ كَافِرٍ وَخَرَجَ بِعَقِبٍ غَادِرٍ فَمَرَّ بِسَرْحٍ مِنْ سُرُوحِ اَلْمَدِينَةِ فَسَاقَهُ وَاِنْطَلَقَ بِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ حَاجّاً قَدْ قَلَّدَ هَدْياً، فَأَرَادَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ: ولاَ آمِّينَ اَلْبَيْتَ اَلْحَرامَ][8].
وعلى التقديرين، معنى الآية: لا تقاتلوهم، لأنّ من قاتل فقد أحلّ، فكأنّه قال: لا تحلّوا قتال الآمّين البيت الحرام، وهو بيت الله بمكّة، سمّي حراما لحرمته.
[1] سورة المائدة، الآية: 2.
[2] سورة الحج، الآية: 32.
[3] وسائل الشيعة، ج 13، ص 471.
[4] سورة البقرة، الآية: 217.
[5] سورة التوبة، الآية: 37.
[6] سورة البقرة، الآية: 98.
[7] سورة النور، الآية: 31.
[8] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 584.
تعليق