بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ ..﴾[1].
الحياة هي نسيج لعيش مشترك في معظم انحاء العالم لبني البشر، وللتفاوت الذي حصل بينهم بسبب التحريف في الاعتقادات وفسادها وبقاء الكثير منهم على ما نسخ بدين الإسلام، مما أدى لسؤال من قبل المسلمين حول كفرهم وحليّة طعامهم لذا مطلع هذه الآية حصل بسببه نزاع ومعركة الآراء بين من ينجّسون أهل الكتاب ومن يطهرونهم، ولكن الآية بعد صالح التأمل والتعمل صريحة في طهارتهم. فقد يقال إنهم مشركون لانحرافهم عن التوحيد الحق فتشملهم ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾[2]، ولكن الإشراك المنجّس - إن صدقنا أن المعني منه النجاسة الظاهرية إلى النفسية - يختص بعبادة الأوثان والطواغيت، وقد قوبل كفار أهل الكتاب بالمشركين في آية البينة: ﴿لَمْ يَكُنِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ واَلْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ﴾[3]، فقد بيّنت آية البينة أن المعني من «المشركين» في طليق إطلاقها هم الوثنيون. ثم ولو صدقنا أنهم تشملهم آية نجاسة المشركين، فآية المائدة هذه ناسخة لها بالنسبة لأهل الكتاب ككل. والقول بأن آية المائدة منسوخة بآية التوبة مردود بأن المائدة هي آخر ما نزلت، ناسخة غير منسوخة، كما القول إن آية التوبة تخصص آية المائدة بالموحدين من الكتابيين.
فإن فاصل العمل بآية التوبة مانع عن التخصيص، ولو كان تخصيص فإنما هو من آية المائدة تخصيصا لآية التوبة بالمشركين غير الكتابيين. إن قلت إن بينهما عموما من وجه فقد تلتقيان في الكتابي المشرك وتفترقان في المشرك غير الكتابي فتنجسه آية التوبة، والكتابي غير المشرك حيث تطهره آية المائدة، ويبقى ملتقاهما وهو الكتابي المشرك بين عموم الآيتين إثباتا لطهارته بآية المائدة وسلبا لها بآية التوبة. قلت آية التوبة أظهر في المشرك الوثني من المشرك الكتابي وآية المائدة ظاهرة في الكتابي المشرك أكثر من الموحد حيث الأكثرية الساحقة منهم هم المشركون، فهم إذا طاهرون، فليرفع اليد عن ظاهر التوبة بالأظهر من المائدة دون نسخ. وإذا تساويتا في شمول الكتابي المشرك فالتقدم لآية المائدة نسخا لآية التوبة، دون تساقط لأنه ليس إلاّ فيما لا نتأكد من صدورهما كما في حقل الرواية. ولو أجملتا عن الدلالة عليه سلبا للطهارة وإيجابا فقاعدة الطهارة محكمة.
فالكتابي الموحد هو طاهر قطعا حيث تشمله آية المائدة دون آية التوبة دون ريب، والكتابي المشرك هو المصداق الأكثري لآية المائدة، مدلولا لها بطهارته دون ريب، وعند التشكك فالأصل هو الطهارة بعد أصل النسخ لآية التوبة بالمائدة.
ولننظر إلى «نجاسة الكفار» في زواياها، هل هي نجاسة أبدانهم لمكان الجراثيم المسرية؟ والكفر هو نجاسة نفسية ليست لتسري إلى البدن! أم هي خساسة مؤثرة في الروح كلحم الخنزير؟ ولا يؤكل بدن الكافر حتى يؤثر خساسة في الروح! أم هي نجاسة سياسية قررت لكي يتجنب المسلمون الكفار حتى لا يضلوا بمجالستهم؟ والسياسة الإسلامية كأصل هي سياسة الجذب للكفار وليست هي الدفع! اللّهم إلا في حقل موالاتهم، وأما مجاراتهم جذبا للإيمان، أو تخفيفا لوطئتهم ضد الإيمان فمحبور غير محظور.
والتحذر عن الزلة والضلالة بمجالستهم يكفيه التحذير عنها دون تنجيسهم مطلقا، فقد يجالسهم المستضعف فيضل ولكنه - على نجاستهم - يطهر نفسه، ثم الداعية الإسلامية مفروض عليه مجالستهم بصورة حبيبة ودّية لا تناسبها نجاستهم، والمسلم الذي لا يتأثر بمجالستهم كما لا يؤثر لا يصح منعه عن مجالستهم فإنها قد تؤثر فيهم إذ لم يؤثر دعايتهم الإسلامية، فليست الفتوى بنجاسة الكفار سياسة سليمة، بل هي سياسة الدفع والنفي، وهي تنافي روح الإسلام في كل أبعاده الأحكامية والدعائية حيث يتبنى الجذب لا الدفع.
وقال السيد السيستاني دام ظله: [أهل الكتاب من يهود ومسيحيين ومجوس محكومون بالطهارة ما دمت لا تعلم بتنجسهم بنجاسة خارجية، وتستطيع أن تعمل بهذه القاعدة في معاشرتك لهم واحتكاكك بهم][4].
[1] سورة المائدة، الآية: 5.
[2] سورة التوبة، الآية: 28.
[3] سورة البيّنة، الآية: 1.
[4] الاستفتاءات - موقع مكتب سماحة السيد السيستاني.
تعليق