بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٢ - الصفحة ٢٢٨
تذكر موسى (عليه السلام) حادثة مهمة وقعت له في حياته بمصر، وهي قتل القبطي، وتعبئه القوى الفرعونية لإلقاء القبض عليه وقتله.
وبالرغم من أن موسى (عليه السلام) كان يهدف عندها إلى انقاذ المظلوم من الظالم الذي كان في شجار معه، فكان ما كان.. إلا أن ذلك لا معنى له في منطق فرعون وقومه، فهم مصممون على قتل موسى إن وجدوه.. لذلك فإن موسى:
قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون.
وبعد هذا كله فإني وحيد ولساني غير فصيح وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون.
كلمة " أفصح " مشتقة من " الفصيح " وهو في الأصل كون الشئ خالصا، كما تطلق على الكلام الخالص من كل حشو وزيادة كلمة " الفصيح " أيضا.
و " الردء " معناه المعين والمساعد.
وعلى كل حال فلأن هذه المسؤولية كانت كبيرة جدا، ولئلا يعجز موسى عن أدائها، سأل ربه أن يرسل معه أخاه هارون أيضا.
فأجاب الله دعوته، وطمأنه بإجابة ما طلبه منه وقال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فالسلطة والغلبة لكما في جميع المراحل.
هنا تحقق ما قاله القرآن:
(فرجعناك إِلى أُمّك كي تقرّ عينها ولا تحزن)
ولتستطيع تربيته بدون خوف من جلاوزة فرعون. ويستفاد من هذه العبارة أن فرعون أودع الطفل أمه لتذهب به إِلى بيتها، إلاّ أنّ من الطبيعي أن ابن عائلة فرعون! الذي تعلقت به امرأته وأحبته حباً شديداً، يجب أن يعرض عليها بين فترة وأُخرى.
ومرّت السنون والاعوام، وتربى موسى(عليه السلام) وسط هالة من لطف الله ومحبته، وفي محيط آمن، وشيئاً فشيئاً أصبح شاباً. وكان ذات يوم يمر من طريق فرأى رجلين يتشاجران، أحدهما من بني إِسرائيل والآخر من الأقباط ـ (وهم المصريون قوم فرعون) ـ ولما كان بنو إِسرائيل يعيشون دائماً تحت ضغط الأقباط الظالمين وأذاهم، هبّ موسى لمعونة المظلوم الذي كان من بني إِسرائيل، ومن أجل الدفاع عنه وجه ضربة قاتلة إِلى ذلك القبطي، فقضت عليه.
فتأثر موسى مما حدث وقلق، لأن حراس فرعون علموا في النهاية من الذي قام بعملية القتل هذه، فنشطوا للبحث عنه ومطاردته. إلاّ أنّ موسى، وحسب إشارة بعض أصدقائه عليه، خرج متخفياً من مصر، وتوجه إِلى مدين، فوجد محيطاً وجواً آمناً في ظل النّبي «شعيب»، والذي سيأتي شرح حاله في تفسير سورة القصص إِن شاء الله تعالى
هنا حيث يقول القرآن الكريم:
(وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً)
فبعد حادثة القتل اختبرناك كثيراً والقينا بك في اتون الحوادث والشدائد (فلبثت سنين في أهل مدين) وبعد اجتياز هذا الطريق الطويل، والإِستعداد الروحي والجسمي، والخروج من دوامة الأحداث بشموخ وانتصار
(فقد جئت على قدر يا موسى)
أي حيث لاستلام مهمّة الرسالة في زمان مقدّر إِلى هذا المكان.
إِن كلمة «قدر» ـ برأي كثير من المفسّرين ـ تعني الزمان الذي قدر فيه أن يُنتخب موسى للرسالة. إلاّ أنّ البعض اعتبرها بمعنى المقدار، كما جاء هذا المعنى في بعض الآيات القرآنية، كالآية (21) من سورة الحجر، وطبقاً لهذا التّفسير سيكون معنى الآية: يا موسى إِنك قد نشأت وأصبحت ـ بعد تحمل هذه المصاعب والإِمتحانات وعشت سنين في بيت نبي كبير كشعيب ـ ذا قدر ومقام وشخصية، وحصلت على استعداد لتلقي الوحي.
ثمّ يضيف:
(واصطنعتك لنفسي)
فمن أجل مهمّة تلقي الوحي الصعبة، ومن أجل قبول الرسالة، ومن أجل هداية العباد وإِرشادهم ربّيتك واختبرتك في الحوادث الصعبة ومشاقّها، ومنحتك القوة والقدرة، والآن حيث ألقيت هذه المهمّة الكبرى على عاتقك، فإِنك مؤهل من جميع الجوانب.
-------------------------
مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر الجزء : 9 صفحة : 556
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٢ - الصفحة ٢٢٨
تذكر موسى (عليه السلام) حادثة مهمة وقعت له في حياته بمصر، وهي قتل القبطي، وتعبئه القوى الفرعونية لإلقاء القبض عليه وقتله.
وبالرغم من أن موسى (عليه السلام) كان يهدف عندها إلى انقاذ المظلوم من الظالم الذي كان في شجار معه، فكان ما كان.. إلا أن ذلك لا معنى له في منطق فرعون وقومه، فهم مصممون على قتل موسى إن وجدوه.. لذلك فإن موسى:
قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون.
وبعد هذا كله فإني وحيد ولساني غير فصيح وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون.
كلمة " أفصح " مشتقة من " الفصيح " وهو في الأصل كون الشئ خالصا، كما تطلق على الكلام الخالص من كل حشو وزيادة كلمة " الفصيح " أيضا.
و " الردء " معناه المعين والمساعد.
وعلى كل حال فلأن هذه المسؤولية كانت كبيرة جدا، ولئلا يعجز موسى عن أدائها، سأل ربه أن يرسل معه أخاه هارون أيضا.
فأجاب الله دعوته، وطمأنه بإجابة ما طلبه منه وقال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فالسلطة والغلبة لكما في جميع المراحل.
هنا تحقق ما قاله القرآن:
(فرجعناك إِلى أُمّك كي تقرّ عينها ولا تحزن)
ولتستطيع تربيته بدون خوف من جلاوزة فرعون. ويستفاد من هذه العبارة أن فرعون أودع الطفل أمه لتذهب به إِلى بيتها، إلاّ أنّ من الطبيعي أن ابن عائلة فرعون! الذي تعلقت به امرأته وأحبته حباً شديداً، يجب أن يعرض عليها بين فترة وأُخرى.
ومرّت السنون والاعوام، وتربى موسى(عليه السلام) وسط هالة من لطف الله ومحبته، وفي محيط آمن، وشيئاً فشيئاً أصبح شاباً. وكان ذات يوم يمر من طريق فرأى رجلين يتشاجران، أحدهما من بني إِسرائيل والآخر من الأقباط ـ (وهم المصريون قوم فرعون) ـ ولما كان بنو إِسرائيل يعيشون دائماً تحت ضغط الأقباط الظالمين وأذاهم، هبّ موسى لمعونة المظلوم الذي كان من بني إِسرائيل، ومن أجل الدفاع عنه وجه ضربة قاتلة إِلى ذلك القبطي، فقضت عليه.
فتأثر موسى مما حدث وقلق، لأن حراس فرعون علموا في النهاية من الذي قام بعملية القتل هذه، فنشطوا للبحث عنه ومطاردته. إلاّ أنّ موسى، وحسب إشارة بعض أصدقائه عليه، خرج متخفياً من مصر، وتوجه إِلى مدين، فوجد محيطاً وجواً آمناً في ظل النّبي «شعيب»، والذي سيأتي شرح حاله في تفسير سورة القصص إِن شاء الله تعالى
هنا حيث يقول القرآن الكريم:
(وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً)
فبعد حادثة القتل اختبرناك كثيراً والقينا بك في اتون الحوادث والشدائد (فلبثت سنين في أهل مدين) وبعد اجتياز هذا الطريق الطويل، والإِستعداد الروحي والجسمي، والخروج من دوامة الأحداث بشموخ وانتصار
(فقد جئت على قدر يا موسى)
أي حيث لاستلام مهمّة الرسالة في زمان مقدّر إِلى هذا المكان.
إِن كلمة «قدر» ـ برأي كثير من المفسّرين ـ تعني الزمان الذي قدر فيه أن يُنتخب موسى للرسالة. إلاّ أنّ البعض اعتبرها بمعنى المقدار، كما جاء هذا المعنى في بعض الآيات القرآنية، كالآية (21) من سورة الحجر، وطبقاً لهذا التّفسير سيكون معنى الآية: يا موسى إِنك قد نشأت وأصبحت ـ بعد تحمل هذه المصاعب والإِمتحانات وعشت سنين في بيت نبي كبير كشعيب ـ ذا قدر ومقام وشخصية، وحصلت على استعداد لتلقي الوحي.
ثمّ يضيف:
(واصطنعتك لنفسي)
فمن أجل مهمّة تلقي الوحي الصعبة، ومن أجل قبول الرسالة، ومن أجل هداية العباد وإِرشادهم ربّيتك واختبرتك في الحوادث الصعبة ومشاقّها، ومنحتك القوة والقدرة، والآن حيث ألقيت هذه المهمّة الكبرى على عاتقك، فإِنك مؤهل من جميع الجوانب.
-------------------------
مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر الجزء : 9 صفحة : 556
تعليق