بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَلِلّٰهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۖ وَاتَّقُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[1].
فاتباع الهوى يهوي بالإنسان إلى ترك الشهادة بالحق، أم إلى الشهادة بغير الحق رعاية لقرابة وما أشبه ف ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَلِلّٰهِ.. فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا..﴾[2].
ثم ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾، يبعث على النقمة من قوم عدوّ لكم أو أنتم عدو لهم حيث الإضافة تتحمل كونها إضافة إلى فاعل أو مفعول، ف ﴿كُونُوا قَوّامِينَ لِلّٰهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ..﴾. ولقد كانت هذه العدالة بالنسبة لمن ظلم قمة في ضبط النفس والسماحة يرفعهم الله إليها بالمنهج المتميز التربوي الإسلامي. صحيح أنه ﴿فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾[3]، ولكنها ليست لتعني من الاعتداء بالمثل الظلم في الشهادة حتى وإن ظلموا هم إياكم في شهادة، فإنما الاعتداء بالمثل فيما يجوز في أصله أحيانا، والشهادة الزور لا يبررها أي مبرر على الإطلاق. فالعدل في الشهادة وسواها هو الأساس في شرعة الله، والاعتداء بالمثل عدل، ولكنما الشهادة بغير حق ليس من العدل حتى في ظروف الشنآن. ففي الظروف الشائنة التي كانت الجاهلية وسواها تظلم دون سبب هنا يأمر الله تعالى بالعدل في ظرف الشنآن، قياما لله في الشهادة بالقسط وهو فوق العدل! فحين نطل من هذه القمة السامقة على الجاهلية الساحقة في كل دورها وعصورها - بما فيها من الجاهلية المتحضّرة - ندرك المدى المتطاول بين المنهج الرباني، وسائر المناهج المتحللة عن وحي السماء! وحين نجد وصايا وهتافات للعدل حتى في رعاية الحيوان، لا نجدها إلاّ في عالم المثل والتخيلات، فمهما كانت الألفاظ بارقة، ولكنها عن معانيها فارغة، ولا نجد الواقعية الخلقية السامقة فردية وجماعية إلاّ في هذا النظام الرباني القرآني! قد يهتف ألوف من الهاتفين بالعدل وما أشبه، ولكن لا تعدو هتافاتهم الأسماع إلى القلوب وإلى الواقع، حيث الهاتف هارف خارف لكونه فارغ القلب والقالب عما يهتف به، ولا تصدر هتافهم عن مصدر رباني، فلا سلطان لهتافاتهم على القلوب والضمائر.
فالوصايا الربانية من الربانيين وحيا وسواه تحمل مع الشعار الشعور ومع الشعور الشعار، ومعهما تطبيق الموصي ما به يوصي، والتضحية في سبيل تحقيق الوصية بكافة المحاولات الممكنة الصالحة.
أجل «اعدلوا» ولماذا؟ لأنه ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾، فترى ترك العدل قريب للتقوى حتى يصبح فعله ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾؟ قد تكون ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾، مجاراة مع تاركي العدل، أنه لو كان ترك العدل قريبا للتقوى وليس به، فلا ريب أن العدل أقرب للتقوى، والتقوى سجية عاقلة عادلة لا ينكرها أحد. أم إن ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾، تختص بحقل الشهادة بحق الشائنين بالمؤمنين وعليهم منهم شنآن، فمهما خيّل إلى المؤمن أن الشهادة بغير حق في حقهم قريب للتقوى نقمة منهم، فسنة العدالة كأصل في الحياة تقي الإنسان العادل عما لا يصلح أو هو فاسد، والاعتداء بالمثل في مجالاته المسموحة هو من العدل، فالعدل - إذا - طليق يحلق إسلاميا على كافة المجالات دون ما استثناء.
ووجه ثالث هو أتم وأعم وأوجه أن «التقوى» هي الوقاية عن الشر والضر، ففي ظرف الشنآن «اعدلوا» في الشهادة و«اعدلوا» في الاعتداء بالمثل، فهو أقرب للتقوى عن الاعتداء والشنآن حيث يقي العدل - لأقل تقدير - عن مزيد الاعتداء والشنآن، أم وينقصهما أو يزيلهما ف ﴿اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا اَلَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[4].
ثم في سائر الظروف فالعدل ناجح على أية حال، فإنه يقي العادل عن كثير من الشر والضر، ولكن الظلم - رغم ما يخيّل إلى الظالمين - لا يقي عما يرام من بؤس وتطاول، وحتى إن وقى فهي وقاية ظاهرة ما دامت القوة القاهرة، فإذا ذهبت أو قلّت فالانتقام على الدرب أشد مما ظلم.
[1] سورة المائدة، الآية: 8.
[2] سورة النساء، الآية: 137.
[3] سورة البقرة، الآية: 194.
[4] سورة فصلت، الآية: 34.
تعليق