بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[1].
(القول) بألوهية المسيح عليه السّلام المولود من مريم عليها السّلام الذي كان صغر وكبر؛ ثم اخذ خصوصا على قول النصارى بانه صلب وقتل وقام من قبره (من الامور الوهمية)، لما قد تحقق في العقل أن الواجب لا يتغير ولا يحتاج، فلا تركيب فيه، فمن كان مركبا من الاجزاء، وافتقر الى الاكل والشرب والأين بل يعجز من الموت، كما قد ذكروا في اناجيلهم، والحلول ايضا موجب للافتقار والمحل، كيف يدعي العاقل إلهيته؟ والفناء هو العبودية لا الربوبية. فليس خطأ وكفر أعظم من ذلك القول.
المسيحية انقسمت طوال قرونها في فكرة «الله» إلى مذاهب أربعة: مثلثين وثنوية وموحدين في ألوهية المسيح وموحدين الله في الألوهية، وهذه الآية تتحدث عن الفرقة الثالثة المؤلهة للمسيح وحده، وهي بلورة الثالوث والتثنية. فقد اعتبروه مثلثة الأقانيم، جواهر ثلاثة هي ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة، ثم استأصلوا ألوهية أقنوم الأب حيث تنزل إلى الناسوت في قوسه النزولي فأصبح هو الابن تجافيا عن كيانه ككل، وألوهية روح القدس الوسيط حيث لا يحتاج الابن الذي هو صورة أخرى للأب إلى الوسيط فقالوا ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾، و ﴿إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾[2]، فالأول الأب والثاني الروح تجافيا عن ألوهيتهما فاختصرا في الابن فهو - إذا - الله، وهما عبارتان عن تخيّلة واحدة عن المسيح (عليه السلام) أنه هو حقا «الإله» تحولا للإله الأب إلى الإله الابن، ثم لا أب ولا ابن بل هو الله ليس معه إله، وهذا هو المعني من ﴿إِنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْمَسِيحُ﴾، قوسا نزوليا لله، دون «المسيح هو الله» قوسا صعوديا للمسيح، فقد قالوا بالحلول والتحول أن الله أصبح هو المسيح، وقد تشبهها: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[3]، دون «هواه إلهه» حيث نزل الله إلى حيث هواه، فاعتبر الله هواه فعبدها كما الله.
ذلك وكما خيل إلى جماعة منهم ألوهية مريم على هامش ألوهية المسيح، فقد تصرح الكنيسة الكاثوليكية «كما أن المسيح لم يبق بشرا كذلك أمه لم تبق من النساء بل انقلبت (وينوسة): أي إلهة».
لذلك تراهم كثيرا يحذفون أسماء الله مثل «يهوه» من كتب المزامير ويثبتون مكانها اسم مريم، كقوله: «احمدوا الله يا أولاد» فالكاثوليك لأجل إظهار عبوديتهم لمريم طووا هذا من الزبور وبدلوه إلى «احمدوا مريم يا أولاد». وهذه الكنيسة كلما صلي فيها مرة واحدة بالصلاة الربانية: «أبانا الذي في السماء..» يصلى فيها بالصلاة المريمية عشرون مرة.
ذلك وكما يصرح القرآن بهذه الخرافة: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ ..﴾[4]؟ والقول بألوهية المسيح (عليه السلام) كفر بالله نكرانا لألوهيته أو إشراكا فيها، ولكنهم تخطّوا الإشراك بالله إلى توحيد المسيح في الألوهية.
فاحتجّ الله تعالى في هذا القول على فساد قولهم، بأنّ المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات، ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهيّة. ثمّ أزاح ما عرض لهم من الشبهة في أمره، بأنّه خلق من غير أب، فقال: ﴿وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ والمعنى: أنّه تعالى قادر على الإطلاق، يخلق من غير أصل، كما خلق السماوات والأرض، ومن أصل، كخلق ما بينهما، فينشئ من أصل ليس من جنسه، كآدم عليه السّلام وكثير من الحيوانات، ومن أصل يجانسه، إمّا من ذكر وحده كما خلق حوّاء، أو من أنثى وحدها كعيسى، أو منهما كسائر الناس.
[1] سورة المائدة، الآية: 17.
[2] سورة المائدة، الآية: 73.
[3] سورة الفرقان، الآية: 43.
[4] سورة المائدة، الآية: 116.
تعليق