
في تفسير وتحليل “دعاء شهر رمضان المبارك”، قال: إن الله لا يلتفت في استجابته للدعاء إلى كفر الناس أو انحرافهم أو ضلالهم، بل يلتفت إلى حاجتهم وعبوديتهم. فإذا كان هناك قوم قد بلغ بهم الانحراف إلى حد أنهم لا يدعون الله بأنفسهم، بل يلجؤون إلى شخص لا يستحق، ويدّعي ادعاءً باطلاً، ويضع نفسه في مقام إلهي، فإن الله لا يكون غير مبالٍ برغبة هؤلاء الناس.
اليكم النص الكامل للمقال:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، إنه خير ناصر ومعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
>يطرح في البداية سؤال مفاده: هل يمكن تأييد مضمون دعاء كل يوم من شهر رمضان المبارك، الذي يبدأ بجملة “اللهم أدخل على أهل القبور السرور”، أم لا؟ اذ يرى بعض الفقهاء المحترمين أن المضمون العام لهذا الدعاء الشريف، ولو لم يكن له سند موثوق تماماً، يأتي في سياق النظرة العامة التي توجد إجمالاً في الفقه، وقد أظهرها الفقهاء في مسائل مختلفة. وبالتالي، فإن هذا الدعاء وإن لم يكن له نظير كثير في الأدعية الأخرى، فإن توجهه ومضمونه العام ليس ببعيد عمّا ورد في سائر المصادر الإسلامية، بما في ذلك الفقه، بل هو منسجم معها. ونحن، في الواقع، نمارس من خلال هذا الدعاء في شهر رمضان المبارك أن نكون محبين للخير لجميع البشر، وأن تكون نظرتنا مفعمة بالرأفة والرحمة والعطف تجاه أفراد المجتمعات الإنسانية.
من الواضح أننا، بشكل خاص، يجب أن نراعي حقوق المسلمين، وخصوصاً المؤمنين وإخواننا في الدين، وأن نوليهم اهتماماً ورعاية خاصة؛ وهذا من مقتضيات الأخوة في الدين والمذهب، وكما أن الفقهاء قد ذكروا في المصادر الفقهية بعض الأحكام والحقوق الخاصة بالمسلمين وبالمؤمنين، فمن الطبيعي أن يكون لنا في أدعيتنا اهتمام خاص بالمسلمين والمؤمنين؛ لذا، فإن ذلك الدعاء العام الذي يقرأ في صلاة الجنازة: “اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات”، نخصّه بالمسلمين في لسان دعائنا.
نظرة عامة
حديثي هنا يؤكد ويلفت إلى أمر يتجاوز هذه الحقوق الخاصة، وهو أنه من مجموع المصادر الإسلامية، من الآيات، والروايات، والمصادر الثانوية التي تشكّل العلوم الإسلامية، وخصوصاً من الفقه، نستفيد أن المسلم يمكنه، بل يستحسن له، أن تكون له نظرة عامة حتى في أدعيته؛ فإذا طلب منا وتعلمنا أن نملك هذه التربية التي تجعلنا نهتم بالآخرين في أدعيتنا، فإننا نعزّز في أنفسنا هذا النوع من حبّ الإنسان.
فبطريقة أولى، ينبغي لنا في تعاملنا مع من يشاركوننا الدين والمذهب والوطن أن ندافع عن سعة الصدر، وسعة الأفق، وعن الالتزامات الإيمانية والإسلامية، والحقوق المنبثقة عنها، وأن نلتزم بها وندعمها؛ لا سيما إذا كنّا في موقع حكم وسلطة، أن نضع جانباً هذه الحدود بين “الذات” و”الآخر” التي صنعها بعض الأوهام، وبعض ضيقي الأفق، وأن نحتفظ بنظرتنا الرحيمة إلى جميع الناس، وإلى مواطنينا، وإلى سائر الشعوب والبشر.
أن من المسائل التي ظهرت فيها هذه الرؤى المعرفية حول الإنسان، في الفقه بشكل عام، هي “صلاة الاستسقاء“؛ في مسألة: هل يجوز إشراك غير المسلمين في هذه الصلاة أم لا؟ وإذا أشركوا، فهل هو مشروط بقيود معيّنة أم لا؟! هذه المسألة لها مؤيدون ومعارضون في الفقه، كما هو واضح.
الكثير من الفقهاء، بل أغلب الفقهاء الذين يؤيدون حضور غير المسلمين في هذه الصلاة، لديهم أدلة إيجابية كما أن لديهم أقوالاً في نقد استدلالات المعارضين.
صلاة الاستسقاء
لكن أحد الأدلة الأخرى للمؤيدين لحضور غير المسلمين في صلاة الاستسقاء، هو الاستناد إلى رواية أوردها الشيخ الصدوق في نفس باب صلاة الاستسقاء. هذه الرواية مرسلة طبعاً، لكنها من تلك المرسلات التي نسبها الشيخ الصدوق بيقين إلى الإمام الصادق (ع)، ما يدل على أن الشيخ الصدوق كان يؤمن باعتبار هذه الرواية، وهذا بحد ذاته موضع بحث في الفقه، حيث إن بعض فقهائنا مثل الإمام الخميني (ره) لا يفرقون بين هذه المرسلات للشيخ الصدوق ومرسلات أمثال ابن أبي عمير، ويعدونها معتبرة.
في بعض الأحيان، يقول الشيخ الصدوق: “رُوِي”، وهو ما يدل على تردده، ولكن حين يقول بشكل مباشر وجازم: “قال الصادق(ع)”، فإن فقيهًا ومحدثًا مثله عندما ينسب القول بهذه الصورة إلى الإمام الصادق(ع)، فإن هذا يدل على أنه كان يعتقد بصحة الرواية.
من الممكن ألا نقبل هذا القول، كما لم يقبله بعض الفقهاء، لكن على كل حال، فإنه يُحدث لدينا نوعًا من الظن بل وحتى الاطمئنان النسبي بأن هذه الرواية تختلف من حيث القيمة السندية عن الروايات المرسلة غير الجازمة؛ لا سيما إذا كانت تتضمن مضمونًا يتوافق مع القواعد العامة، والإطلاقات، والعموميات، وسائر الأدلة الأخرى. فمفاد هذه الرواية هو أنه في أحد الأزمنة، جاء أصحاب فرعون والمحيطون به إليه وقالوا له إن نهر النيل قد جفّ، وإن ذلك يهددنا بالفناء ويدمر مجتمعنا، لأن حياة ومعيشة أولئك الناس كانت مرتبطة بمياه النيل، النيل الذي أصبح مهد حضارة عمرها آلاف السنين.
مقام الربوبية
عندما سمع فرعون هذا الكلام، كان معناه أنهم يطلبون منه، بما أنه يدّعي ما يدّعي، ويضع نفسه في مقام الربوبية، أن يعيد جريان مياه النيل بإرادته. وفي الحقيقة، كان أولئك الناس يرون رزقهم ومعيشتهم بيد فرعون، ذلك الفرعون الذي قال: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ”! والذي قدّم نفسه في موقع تكون فيه أرزاق الناس وسعادتهم وحياتهم مرهونة بقدرته وإرادته. فعندما يلجأ الناس إليه ويقولون إن مصيبةً ما حلّت بنا، فمعناه أنهم يطلبون منه أن يُجري الماء بإرادته في مقام الربوبية. فرعون، الذي كان يعلم في قرارة نفسه ما يجري، وأن ادعاءه لا يعدو كونه افتراءً، طلب منهم أن يعودوا في ذلك اليوم. وعندما أقبل الليل، ذهب فرعون وحده إلى وسط نهر النيل، ورفع يديه نحو السماء وقال: “اللهم! إنك لتعلم أنني أعلم أنه لا يقدر أحد على جلب الماء إلا أنت، فاجعل الماء يجري لنا”.
ووفقًا لهذه الرواية، فإن النيل بدأ يجري بعد دعاء فرعون. فالعبارة التي وردت في الرواية على لسان فرعون تقول إنه عندما انتصف الليل، وقف في وسط النيل، “ورفع يديه إلى السماء” وقال: “اللهم إنك تعلم أني أعلم أنه لا يقدر على أن يجيء بالماء إلا أنت، فجيئنا به”. وفي خاتمة الرواية ورد: “فأصبح النيل يتدفّق”؛ أي إن النيل بدأ يجري بعد دعاء فرعون، بل جريانًا هادرًا.
لم يستدل أحد من فقهاء أهل السنة بهذه الرواية لأنها منسوبة إلى الإمام الصادق(ع) وموجودة في المصادر الشيعية. أما استدلال فقهائنا بها، فكان من أجل التأكيد على أنه لا ينبغي أن يظن أن الله تعالى يستجيب فقط لدعاء المؤمنين، بل حتى دعاء الكفار يستجاب، حتى من شخص مثل فرعون الذي كان في الظاهر ينكر الله، أو على الأقل، لم يكن ينكر الله، بل ادعى لنفسه مقام الربوبية وكان يقول: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ”. ومع ذلك، استجاب الله دعاء فرعون.
قربه من الله
ومن اللافت أن المحقق الأردبيلي استنتج من هذه الرواية أن تحقق مطلوب الداعي ليس دليلًا على قربه من الله، كما أن فرعون لم يكن قريبًا من الله؛ بمعنى أن الله قد يستجيب دعاء من هو بعيد عنه، وإذا تحقق الدعاء، فليس معنى ذلك أن صاحبه مقرّب إلى الله. واستنتج المحقق الأردبيلي أيضًا أن فرعون، على الرغم من معرفته بالله، أنكره (كما تشير الآية الكريمة: “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ”)؛ أي إن إنكار فرعون كان إنكارًا جحوديًا وإلحاديًا، لكنه في داخله كان مؤمنًا.
ولهذا السبب، استدل بعض الفقهاء، كالعلاّمة الحلّي، بهذه الرواية في الرد على من اعتبروا دعاء الكافر بعيدًا عن الإجابة، وكان هذا الاستدلال في محلّه. مع الإشارة إلى أن بعض الفقهاء، ، يرون أن مثل هذه الرواية، إذا نسبت بشكل جزمي إلى الإمام(ع) من قبل شخصية مثل الشيخ الصدوق، فإن لها اعتبارًا سنديًا، وبالتالي يمكن من الناحية الاجتهادية الإفتاء بها.
لكنني أود الإشارة إلى مسألة أخرى أيضًا، وهي أن ما كان حاسمًا في استجابة دعاء شخص مثل فرعون، لم يكن شخص فرعون ذاته، ذلك الذي جرّ مجتمعه إلى الكفر والشرك ووقف في وجه نبي الله(ص) وموسى(ع)، بل كان السبب هو أناس محتاجون، ضالون أو قاصرون في التفكير، اتبعوا فرعون عن جهل وقصور، لا لأنهم يرونه خالقًا، بل لأنهم توهموا أنه رازقهم ومؤثر في نظام الخلق.
فرعونية فرعون
عندما يريد الله تعالى أن يستجيب لدعاء، هل ينظر إلى فرعونية فرعون أم إلى حاجة أولئك الناس الذين، ولو عن خطأ ومن ضلال، يرون فرعون فاعلًا أو وسيطًا؟ الله تعالى لا ينظر إلى رئاسة فرعون، ولا إلى كفره وجحوده، بل ينظر إلى ضلال الناس وقصورهم وجهلهم الذين أقبلوا على طاعته بسبب الجهل وقلة الفكر، واعتقدوا في هذا الفرعون أنه هو المسبب في حياتهم ورزقهم. في الحقيقة، هؤلاء الناس جميعهم عبيد لله وخليقته، وفرعون كان مجرد سبب في هذا السياق. ما يهم في استجابة الله لدعاء فرعون هو حاجة الناس والتضرع والانقطاع الذي حصل لهم، رغم اعتقادهم الباطل أن فرعون هو الرب في حياتهم.
الله تعالى لا يلتفت إلى الكفر والانحراف والضلال لدى هؤلاء الناس الذين يحتاجون، بل ينظر إلى حاجة هؤلاء وعبوديتهم. ولو أنهم في تلك الحالة التي تؤدي بهم إلى الذهاب إلى من ليس أهلاً لذلك، ويعتقدون اعتقادًا باطلًا أن فرعون هو الذي يملك القدرة على جلب الماء، فلا يرد الله سبحانه وتعالى دعاءهم؛ ولكن، هل يمكن القول إن الله لا يلتفت إلى دعاء هؤلاء الناس إذا رفعوا أيديهم ودعوا بصدق وتضرع إلى الله؟ إذا دعا المسلمون والمصلون من مناطق مختلفة في العالم، من أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا، لصالح الناس الضعفاء في مناطق بعيدة عن الحضارة أو حتى عن الإسلام، هل ستتجاهل استجابة الله لهذه الدعوات؟ والجواب هو: لا.
العلامة المجلسي الأول في شرح هذه الرواية ورفع الاستبعاد عن استجابة دعاء فرعون، أشار إلى أن هذا الأمر ليس مستغربًا لأن الله سبحانه وتعالى وعد بأن يستجيب لدعاء المؤمن والكافر على حد سواء، وقد يستجيب لدعاء الكافر قبل المؤمن. كما ورد في الروايات أن الله يحب صوت المؤمن ولكنه لا يحب صوت الكافر، ولذلك إذا دعا المؤمن أكثر، فقد يستجيب الله لدعائه في وقت لاحق.
استجابة دعاء فرعون
المجلسي الأول أضاف أيضًا أن استجابة دعاء فرعون ليست معجزة، لأن ذلك لا يدل على أن معجزة قد تحققت على يد فرعون الذي كان كاذبًا. في الحقيقة، المجلسي أجاب على سؤال حول هذا الموضوع، مشيرًا إلى أن فرعون لم يدعِ النبوة حتى تعتبر استجابة دعائه معجزة تدل على صحة ادعائه، بل ادعى الألوهية وكان بطلان هذا الادعاء واضحًا. لذا، لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن استجابة الدعاء هي تأكيد لنبوة فرعون.
توضيحات المجلسي، كما يظهر، تؤكد على أن استجابة الدعاء لا تقتصر على المؤمنين فقط، بل هي شاملة والطريق مفتوح للجميع. نقطة أخرى تجذب الانتباه، ويمكن اعتبارها السبب الخامس في هذا السياق، هي أن السيد عبد الأعلى السبزواري من فقهاء عصرنا، وفي نفس السياق الذي يشير إلى أن الدعاء والتوسل إلى الله ليسا خاصين بالمسلمين، أشار إلى أن الاستخارة، التي هي شائعة في ثقافتنا، لا تختص فقط بالمسلمين. بمعنى أن الاستخارة، التي تعني طلب الهداية من الله إلى أفضل طريق وأفضل عمل، ليست محصورة في المسلمين، بل يمكن لغير المسلمين أيضًا أن يستخيروا بالله. كما أشار السيد السبزواري في كتابه الفقهي “مُهذّب الأحكام” إلى أن الاستخارة ليست محصورة في طريقة معينة لدى المسلمين، بل يمكن للآخرين أن يستخيروا حسب طريقتهم الخاصة.
السيد السبزواري أوضح في تفسيره لهذه النقطة أن الاستخارة، والدعاء وطلب المساعدة من الله، في جوهرها هي التفويض إلى علم الله ومشيئته وإظهار خضوع العبد لله تعالى. وبناءً على هذا المعنى، لا تقتصر الاستخارة على المسلمين فقط، بل يمكن أيضًا لغير المؤمنين أن يستخيروا.
الحيرة
هذا الفقيه الكبير قد أوضح أن الاستخارة في هذا المعنى ومن هذه المنطلقات تنبع من أن روح الإنسان عندما يواجه الحيرة، فإنها تلتفت إلى ذلك العالم الذي جاء منه، علها تحصل على فائدة من ذلك العالم، ولذلك صرح بأن الاستخارة ليست مختصة بالدين الإسلامي، بل كل من يؤمن بالله له طريق لرفع حيرته وجلب الخير ودفع الشر. ولم يعتبر هذه المسألة خاصة بالاستخارة فقط، بل قال إنها مشابهة للصدقة والمشورة التي تستخدم بين البشر.
المرحوم السبزواري يعتقد أن كل من يؤمن بشكل عام بالعالم الغيبي، حتى وإن لم يكن موحدًا، مثل المشركين، عند الحيرة والاحتياج يكون لديه نوع من التوجه الخاص نحو شيء يؤمن به، وكل هذه الأمور تعتبر جائزة طالما أنه لا يوجد نهى صريح بشأنها، ولا يوجد شكل خاص لها، لأن الفرض هو أن جميع الأشخاص الذين يستخيرون ينسبون الحصول على الخير ودفع الشر إلى ذلك العالم الغيبي وإلى الله تعالى، والأمر الأكثر أهمية هو أن أشياء مثل الاستخارة تفضل على الرقاع والصلاة، ولكنها ليست محصورة بها. وقد قال هذه الكلمات في هامش الحديث عن استحباب صلاة الاستخارة التي وردت في بعض الروايات وذكرت في عداد الصلوات المستحبة.
وبناءً على هذا الرؤية التي طرحها السيد السبزواري، نرى كيف أن هذه الرؤية الإنسانية، التي تعطي للدعاء والعبادة معنى في دائرة الإنسانية، توسع الفهم. الآن، إذا افترضنا أن غير مسلم جاء إلى مسلم وقال له: “افعل لي استخارة!”، هل هناك مشكلة في أن أستخير له؟ لا، لا توجد مشكلة، وهذا أمر مرغوب.
الاستخارة للآخرين
الاستخارة للآخرين تعني طلب الخير لهم، سواء كان جاره المسلم أو الزرادشتي أو اليهودي أو حتى غير الموحدين. عندما يأتي غير مسلم لا يؤمن بالله كما نؤمن به، ولا يؤمن بصلاة الدعاء التي نؤمن بها، ولكن افترضوا أنه وفقًا لتجربته، ثبت له أن لهذا الشخص المسلم تأثيرًا خاصًا أو نظرة روحية معينة حول الطعام الذي نقدمه في الخيرات أو النذور، ويريد منا أن نطلب له الخير أو أن يأخذ من طعامنا بنية الشفاء، فلا يمكننا القول إن هذا أمر لا قيمة له. طلب الخير لهذا غير المسلمين من خلال الاستخارة أو مساعدتهم من خلال الصدقة أو الوقف أو الخيرات هو مثل طلب الخير لهم في الدعوات الأخرى، مثل دعاء “اللهمّ أدخل على أهل القبور السرور”.
بناءً على ذلك، إذا جاء غير مسلم إلى مسلم وقال له: “أريد أن أبدأ عملاً جديدًا، ولكنني في حيرة ولم أتمكن من اتخاذ قرار رغم استشارتي وتحليلي، لذا أنت المسلم الذي عندك تجارب شخصية أو اتصال مع الله، اطلب من الله أن يهديني”، في هذه الحالة، إذا طلبت من الله أن “يحدد ما هو الخير لهذا المسيحي أو الزرادشتي أو غير الموحد” ويهديه إلى الطريق الصحيح، هل هناك مشكلة في هذا الدعاء؟ وهل يمكن أن نتوقع استجابة لهذا الدعاء؟ وهل يمكن لهذا غير المسلم أن يتوقع استجابة دعائنا؟ من الواضح أنه يمكن أن نتوقع استجابة لهذا الدعاء.
الآن، إذا توسعنا في هذا الموضوع وأخذنا فرضًا آخر، وهو أن غير مسلم لا يؤمن بالإسلام ولكن على سبيل المثال، بناءً على تجربته البسيطة، شهد تجارب المسلمين ووجد أن طلباتهم من بعض الشخصيات المقدسة مثل آل البيت (ع) قد تحققت في حياته في عدة مناسبات، فإذا طلب هذا الشخص مني أن أطلب من إمامي أو من هذه الشخصية أن يحقق له مطلبه، فهل هذا الدعاء في حضرة الله تعالى غير مجدي؟ هل ليس لي الحق في ذلك؟ هل لا يعتبر هذا أمرًا مرغوبًا بالنسبة لي؟
تلبية طلبه
حتى من هذا المنظور، لا أنظر إلى ما إذا كان سيتحول هذا الشخص إلى معتقدي، بل فقط لأنني أردت مساعدته وتلبية طلبه وإزالة مشكلته من حياته، فهل هذا ليس أمرًا مرغوبًا؟
إذا طلب غير مسلم مني أن أسمح له شخصيًا أن يطرح هذا الدعاء والمطلب أمام نفس الإمام أو الشخص الذي أؤمن به، هل هذا غير ممكن؟ هل يجب أن نمنع غير المسلمين من دخول هذه الأماكن وطرح طلباتهم؟ هل يمكننا أن نسمح لهذا غير المسلم أيضًا بالدخول إلى المكان الذي نتوجه فيه بالدعاء والتضرع إلى الله وطرح طلباته ودعائه؟
دخول غير المسلمين إلى المساجد
هنا أشير إلى مسألة فقهية أخرى، وهي ما إذا كان دخول غير المسلمين إلى المساجد جائزًا أم لا. الكثير من الفقهاء قالوا إنه غير جائز، وأتذكر أنه قبل عدة سنوات تم تنظيم مؤتمر حول السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها في مدينة النجف الأشرف، وتم دعوة بعض المسيحيين لحضوره، وبعضهم أيضًا تحدث في هذا المؤتمر، وكنت حاضرًا في ذلك المؤتمر. من ضمن البرامج الهامشية لهذا اللقاء كان زيارة مسجد الكوفة، ولكن عندما علم حارس المسجد أن بعض هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يرغبون في دخول المسجد ليسوا مسلمين، منعهم من الدخول. وكان هذا أمرًا محيرًا بالنسبة لي، كيف يتم دعوة غير المسلمين للمشاركة في برنامج ديني ومذهبي، لكن يتم منعهم من دخول المسجد، حتى لو افترضنا أن دخولهم لا يؤدي إلى إهانة أو تدنيس المسجد؟
هل من الناحية الفقهية، يوجد ما يبرر منعهم أم لا؟ وهل الأدلة التي استند إليها الفقهاء لمنع دخول غير المسلمين إلى المسجد كافية أم لا؟ وفي مناقشة فقهية جرت بين الأصدقاء في قم، تم توضيح أنه لا يوجد دليل كافٍ لهذا الموضوع، ولكننا بالطبع نحترم أقوال الفقهاء والمراجع.
على أي حال، إذا قبلنا هذه الرؤية التي تقول إن دعاء غير المسلمين يمكن أن يستجاب، أو أن المسلم يمكنه الدعاء لهم أو أن يتصدق عليهم، فإن التوسل من أجلهم أيضًا جائز. ليس كل شيء في الشريعة والدين متعلقًا بالصلاة التي تتطلب أن يكون الشخص مسلمًا؛ فهناك بعض المبادئ العامة التي يشترك فيها جميع البشر، مثل الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، ويمكن أيضًا اعتبار التوسل جزءًا من ذلك؛ سواء كان التوسل عبر وسائط مسلمين أو مباشرة من قبلهم، وهذا ليس محرمًا، بل يمكن أن يكون له تأثير إيجابي أيضًا.
في سلسلة المقالات التي قدّمها آية الله السيد ضياء مرتضوي