بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[1].
الفيض الإلهي يكون عاما ولا يختص بأحد دون أحد. وإن اتمام الحجة على الكل يكون لازما، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة؛ فاذا صار الزمان خاليا بحسب الظاهر عن مقيم الحجة؛ يظهر حجة اخرى.
قال الله تعالى مخاطبا اهل الكتاب: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ﴾، أن في ذلك الزمان لا يكون مقيم حجة في اليهود ولا يكون أحدهم رسولا كساير انبياء بنى اسرائيل؛ وكذلك لا يكون في النصارى شخص متمم للحجة، ومجرد كتبهم لا يكون متمما للحجة لعدم كون التوراة والانجيل من المعجزات كما سبق، خصوصا مع نيل يد التصرف الى التوراة وذهاب الانجيل إلا القليل منه من البين، كما قد ذكرنا من حال الاناجيل الاربعة.
مما يعني على انقطاع ودروس من الأنبياء والكتب. وفيه دلالة على أنّ زمان الفترة لم تكن فيه نبيّ. وكان الفترة بين عيسى ومحمّد صلى اللّه عليه واله وكانت النبوّة متّصلة قبل ذلك في بني إسرائيل وسمّيت المدّة فترة لفتور الدواعي في العمل بتلك الشرائع، وفتر الشيء فتورا إذا سكنت حركته.
ففي ذلك الزمان كان انقطاع للوحي وظلمة الجهالة.
وكان احتياج الخلق إلى مبيّن الأحكام الإلهيّة والشّرائع الدّينيّة، لتقادم عهدها، وطول زمانها، وتصرّف التّغيير والتّحريف إليها، واختلاط الحقّ بالباطل والصّدق والكذب، بحيث صار ذلك عذرا ظاهرا لأهل الضّلال في إعراضهم عن الحقّ والعبادة.
﴿أَن تَقُولُوا﴾، تعليل لمجيء الرسول على تقدير حذف المضاف أي كراهة أن تقولوا عن تفريطكم في مراعاة أحكام الدين، فيلزم على الله ارسال الحجة حتى لا يقولوا لأجل ما فوّتوا على أنفسهم من المصالح واوقعوا فيه من المفاسد، أنه ﴿مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ﴾، يبشرنا بالجنة لكي نأخذ بالواجبات في ذلك اليوم، ﴿وَلَا نَذِيرٍ﴾، بالعقاب على المعصية فقطع عنهم عذرهم بإرسال رسوله وهو محمّد صلى الله عليه واله يبشّر كلّ مطيع بالثواب ويخوّف كل عاص بالعقاب، لكي نترك المحرمات في ذلك، وقد ذكر سابقا اختلاف الصلاح والفساد.
ولا متمم للحجة على الصلاح والفساد في ذلك؛ ولو كان كل واحد منهما أي التوراة والانجيل فيهما شرائط الحجية فقد ارسلنا رسولا متمما للحجة بإقامة المعجزات كما سبق، إذ بدونها لا معنى للحجية والله قادر على كل شيء.
ويمكن له أن يجعل النبوة في ولد اسماعيل عليه السّلام ويعطي من يجعله نبيا من المعجزات ما لا يعطي بمثله لولد اسحاق.
﴿وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فيقدر على الإرسال تترا كما فعل بين موسى وعيسى حيث كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبيّ وعلى الإرسال بعد الفترة كما فعله بين عيسى ومحمّد حيث كان بينهما ستّمائة وتسعون سنة أو خمسمائة وستّ وأربعون سنة وأربعة أنبياء - على قول - ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب اسمه خالد بن سنان العبسيّ.
وقد ذكر الشيخ الصدوق(ره) بما ورد عَنْ بَشِيرٍ اَلنَّبَّالِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ وَأَبِي عَبْدِ اَللهِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ قَالاَ: ((جَاءَتْ اِبْنَةُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ اَلْعَبْسِيِّ إِلَى رَسُولِ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ واله فَقَالَ لَهَا: مَرْحَباً يَا اِبْنَةَ أَخِي وصَافَحَهَا وأَدْنَاهَا وبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ ثُمَّ أَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ اِبْنَةُ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ اَلْعَبْسِيِّ))[2]. وكان اسمها محياة ابنة خالد بن سنان.
وقيل: لم يكن بعد عيسى إلّا محمّد صلى الله عليه واله وهو الأنسب بما يظهر من معنى الفترة من التنوين من التفخيم اللائق بمقام الامتنان عليهم بأنّ الرسول قد بعث إليهم عند كمال حاجتهم إليه بسبب مضيّ دهر طويل بعد انقطاع الوحي ليعدّوه أعظم نعمة من الله.
[1] سورة المائدة، الآية: 19.
[2] كمال الدين، ج 2، ص 659.