بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾[1].
قال الراغب الأصفهاني: [المَلِك: هو المتصرّف بالأمر والنهي في الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء. والمِلْك ضربان: مِلك هو التملّك والتولّي، ومِلك هو القوّة على ذلك؛ تولّى أو لم يتولَّ، فمن الأول قوله ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾[2]، ومن الثاني قوله: ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، فإنّ معنى الملك هنا هو القوّة الّتي بها يترشّح للسياسة][3].
قال العلّامة الطباطبائي(ره) في تفسيره: [وقد كان بنو إسرائيل في زمن موسى عليه السلام يسيرون بسنّة اجتماعية هي أحسن السنن؛ وهي سنّة التوحيد الّتي تأمرهم بطاعة الله ورسوله، والعدل التامّ في مجتمعهم، وعدم الاعتداء على غيرهم من الأمم، من غير أن يتأمّر عليهم بعضهم أو تختلف طبقاتهم اختلافاً يختلّ به أمر المجتمع][4].
هذا الجعل الإلهي يعم كافة السلطات الإسرائيلية بدرجاتها ومختلف ظروفها، فكل شخص يملك نفسه ولا يملك هو ملك، وإذا ملك غيره فهو أملك حتى يملك طليق الملك على كافة الناس أم ومن سواهم. فقد تعني «ملوكا» هنا جمع الملك والمالك، أم إن الملك أعم من المالك مهما اشتهر في الملك الخاص. وهنا ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، دون ﴿جَعَلَ فِيكُمْ﴾، دليل شمول الملك للمرسوم المعروف وغيره، حيث أخرجهم الله من أسر السلطة الفرعونية فملكوا أنفسهم بعد ما كانوا مملوكين لا دور لهم ولا كور، وأصل الملوكية هو الحرية الشخصية، ومن ثم أن يملك الحر ما سواه ومن سواه، روحيا أو زمنيا أم كليهما.
إذا فقد تعم ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، مثلث الملك، شخصيا أم جماعيا، روحيا أو زمنيا.
ذلك، وقد تسمي القيادة الروحية ملوكية كما ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾[5].
ثم ﴿جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ﴾، تشمل ملوكهم الخصوص كيوسف وسليمان، فهي قرينة قاطعة على أن ليس المعني من ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، الملوكية المرسومة الزمنية، فكيف يصح خطابهم ككلّ ب ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، والملوك الرسميون فيهم منذ يعقوب إلى المسيح عليهم السلام لم يكونوا إلاّ نذرا قليلا والأنبياء كثير، فلو عني الملوك الرسميون لكان حق التعبير «وملوكا» عطفا على ﴿جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ﴾، دون ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، الشاملة لهم كلهم! هذا، فأنعم النعم الروحية لهم تبدل السلطة الخانقة الفرعونية عليهم بالسلطة الرسالية، وتبدلهم عن تلك العبودية والرقية الذليلة بأن ملكوا أنفسهم، حيث السلطة العادلة لا تستعبد الشعوب وتستخدمهم بل هي المستخدمة لهم وتجعلهم أحرارا في مسير الصلاح ومصير الإصلاح، فالشعب الفاقد للحرية الصالحة تحت القيادة الصالحة هو أفقر شعب وأقفره، والذي يملك الأمرين هو أغنى شعب وأعمره وأبهره، ومالك أحدهما هو عوان بينهما، والمحور الأصيل بين هذه الأمرين هو الحرية الصالحة والقيادة المصلحة حيث تصلح لصالح هذه الحرية.
ذلك، وقد ينعم المكلفون كافة بأرقى النعم المحلقة على كافة حيوياتهم زمن صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه. أجل ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾، بعد أن «اتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب، وجرعوهم المرار، فلم تبرح الحال بهم في ذلك الهلكة وقهر الغلبة». بنو إسرائيل هنا يذكرون ببارع النعم الربانية عليهم حتى يلينوا لأمر الله دخولا في الأرض المقدسة التي لهم فيها سيادة أخرى رجوعا إلى عاصمة الرسالة الإسرائيلية. وقد يحلق هذان الجعلان منذ يعقوب حتى الزمن الأخير من الرسالة الإسرائيلية، أم يخصان منذ يعقوب حتى موسى عليهما السلام فأضيق دائرة بكثير. إن السلطة الروحية والسلطة الزمنية والحرية الشخصية والجماعية هي من النعم الناعمة التي اختص بها بنو إسرائيل بين العالمين، أن جعل من اللاشيء لهم كل شيء، ومن كل ذل وهوان تحت نير الذل الفرعوني.
[1] سورة المائدة، الآية: 20.
[2] سورة النمل، الآية: 34.
[3] المفردات في غريب القرآن، ج 1، ص 472.
[4] تفسير الميزان، ج 5، ص 287.
[5] سورة النساء، الآية: 54.
تعليق