بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[1].
﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾، هي أرض بيت المقدّس قدّست وطهرت من الشرك وأصل التقدّس التطهّر ومنه تقديس الله وهو تنزيهه عمّا لا يليق به ﴿اَلَّتِي كَتَبَ اَللّٰهُ لَكُمْ﴾، في اللوح المحفوظ أنّها يكون سكنا لكم إن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعدما عصوا: ﴿فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾. ﴿ولا تَرْتَدُّوا﴾، أي لا ترجعوا ﴿عَلى أَدْبارِكُمْ﴾، أي مدبرين خوفا من الجبابرة (وذلك حيث دعاهم موسى عليه السّلام إلى قتال الجبّارين بها؛ أجابوا بأن فيها جماعة قوية ذات بأس شديد وبطش ولا تتأتى لنا مقاومتهم ولا نستطيع دحرهم وهزيمتهم والتغلّب عليهم، ولن ندخلها ما دام هؤلاء الجبابرة فيها، ونحن خائفون منهم لأنهم قوم من العمالقة الذين لا قبل لنا بهم. والعمالقة أو العماليق قوم من أبناء لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. وقد كانوا يسكنون بالشام، وهم من بقية قوم عاد.
فهو حال من «فاعل ترتدّوا» ﴿فَتَنْقَلِبُوا﴾، وتنصرفوا حال كونهم ﴿خاسِرِينَ﴾، مغبونين بفوات ثواب الدارين.
ومجمل القصّة أنّه لمّا عبر موسى وبنو إسرائيل البحر وهلك الفرعون أمرهم الله بدخول الأرض المقدّسة وكان الأمر عزيمة كما أمروا بالصلاة فلمّا نزلوا على نهر الأردن خافوا عن الدخول فبعث من كلّ سبط رجلا وهم الّذين ذكر الله في قوله: ﴿وبَعَثْنا مِنْهُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾[2]. فعاينوا من عظم شأن الجبابرة وقوّتهم وأجسامهم شيئا عجيبا فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى بذلك فأمرهم موسى أن يكتموا ذلك فوفى ونصح اثنان منهم فقط وهما يوشع بن نون من سبط بنيامين أو سبط يوسف والثاني كالب ابن يوحنا من سبط يهودا وعصى العشرة وأخبروا بذلك - وقيل: كتم الخمسة منهم وأظهر الباقون. - وفشا الخبر في الناس فقالوا: إن دخلنا عليهم تكون نساؤنا وأهلينا غنيمة لهم وهمّوا بالانصراف إلى مصر وهمّوا بيوشع وكالب وأرادوا أن يرجموهما بالحجارة فاغتاظ لذلك موسى وقال: ﴿رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّٰ نَفْسِي وأَخِي﴾. فأوحى الله إليه أنّهم سيتيهون في الأرض أربعين سنة وإنّما يخرج منهم من لم يعص الله في ذلك فبقوا في التيه أربعين سنة في ستّة عشر فرسخا أو تسعة فراسخ وهم ستّمائة ألف مقاتل لا تنخرق ثيابهم ونزل عليهم المنّ والسلوى. ومات النقباء غير يوشع بن نون وكالب ومات أكثرهم ونشأ ذراريهم فخرجوا إلى حرب أريحا وفتحوها. واختلفوا فيمن فتحها؛ فقيل: فتحها موسى ويوشع على مقدّمته. وقيل: فتحها يوشع بعد موت موسى وكان قد توفّي وبعثه الله نبيّا. روى أنّهم كانوا في المحاربة فغابت الشمس فدعا يوشع فردّ الله عليهم الشمس حتّى فتحوا أريحا قبل أن تدخل ليلة السبت. وقيل: كانت وفاة موسى وهارون في التيه وتوفّي هارون قبل موسى بسنة وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة في ملك أفريدون ومنوچهر وكان عمر يوشع مائة وستّة وعشرين سنة وبقي بعد وفاة موسى مدبّرا لأمر بني إسرائيل سبعا وعشرين سنة.
وقد ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: ((قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسَى لِأَبِيهِ وأُمِّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَسْمَعُ اَللهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي؟ فَقُلْتُ: فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْبَرَ سِنّاً؟ قَالَ: هَارُونُ. قُلْتُ: فَكَانَ اَلْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً؟ قَالَ: اَلْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، ومُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يُوحِيهِ إِلَى هَارُونَ. فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْأَحْكَامِ واَلْقَضَاءِ واَلْأَمْرِ واَلنَّهْيِ، أَكَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا؟ قَالَ: كَانَ مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) اَلَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ، ويَكْتُبُ اَلْعِلْمَ، ويَقْضِي بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وهَارُونُ يَخْلُفُهُ إِذَا غَابَ عَنْ قَوْمِهِ لِلْمُنَاجَاةِ. قُلْتُ: فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ؟ قَالَ: مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) ومَاتَا جَمِيعاً فِي اَلتِّيهِ. قُلْتُ: فَكَانَ لِمُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَلَدٌ؟ قَالَ: لاَ، كَانَ اَلْوَلَدُ لِهَارُونَ، واَلذُّرِّيَّةُ لَهُ))[3].
[1] سورة المائدة، الآية: 21.
[2] سورة المائدة، الآية: 12.
[3] تفسير البرهان، ج 2، ص 271.
تعليق