إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

19-21 رمضان المبارك( أمير المؤمنين عليه السلام ميزان العدل والحق المبين)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 19-21 رمضان المبارك( أمير المؤمنين عليه السلام ميزان العدل والحق المبين)




    أمير المؤمنين الحق المبين والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء والفيافي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الواحد والعشرون من شهر رمضان المبارك عام أربعين من الهجرة الشريفة ذكرى شهادة البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء والقفار ولجج البحار، دليل الهدى والمُنجي من الردى، السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة، أمير المؤمنين ويعسوبهم علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه وعلى أولاده الأطهار الأبرار وابن عمه الرسول المختار أفضل وأتم وأكمل الصلاة والسلام.

    ألقابه عليه السلام وكناه:
    لقد إشتهر للإمام عليه السلام اسمان وكنيتان.. وألقاب عديدة، كالتالي:
    فهو علي عند الله ورسوله وحيدر عند أمه وأبيه ..
    كنيته: أبو الحسن، نسبة لإبنه الأكبر، وأبو تراب، حيث كناه الرسول صلى الله عليه وآله به.. الى غيرها من الكنى كأبي السبطين وأبي الحسنين و..
    وأما الألقاب فهي كثيرة منها: أميرالمؤمنين وهو أشهرها وأمير النحل لتشبيه المؤمنين بالنحل ويعسوب المؤمنين وقائد الغر المحجلين وأسد الله وأسد رسوله و..
    فألقابه وصفاته عليه السلام رائعة الجمال رائقة الجلال والكمال.. تخبر عن معنى من معاني الإمام عليه السلام او مزية من مزاياه أو فضيلة من فضائله التي جلّت عن العدّ أو الحصر أبداً..

    نقوش خواتم الأمير عليه السلام:
    1ـ على الفص العقيق وهو للصلاة: «لا إله إلا الله عدة للقائه».
    2ـ على الفص الفيروزج وهو للحرب: «نصر من الله وفتح قريب».
    3ـ على الفص الياقوت وهو للقضاء: «الله الملك وعلي عبده».
    4ـ على الفصل الحديد الصيني وهو لختمه: « لا إله إلا الله، محمد رسول الله». العمدة لابن البطريق:ص74

    النشأة والأوصاف:
    ولد الفتى علي عليه السلام في بيت الله الحرام...وتغذى من فم ولسان سيّد الأنام صلى الله عليه وآله.. ونمى وترعرع في منزل أبي طالب عليه السلام حامي الإسلام الأول..
    وما أجمل ما وصف به الأمير عليه السلام تلك الأيام عن علاقته بابن عمه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وذلك حين قال:
    «وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأره ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة عليها السلام، وأنا ثالثهما .. أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان قد آيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست نبي ولكنك الوزير وإنك لعلى خير..». نهج البلاغة عنه البحار:ج38ص320ب67ح33
    نعم .. إن أمير المؤمنين عليه السلام قد نشأ في منزل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وبيته وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله حيث تزوج من خديجة قال لعمه أبي طالب: إني أحب أن تدفع إليَّ بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني، وأشكر لك بلاءك عندي..
    قال أبو طالب عليه السلام: خذ أيهم شئت..
    فأخذ صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام.. بحار الأنوار: ج38ص295ب67ح33
    فمن استقى عروقه من منبع النبوة ورضعت شجرته من ثدي الرسالة وتهدلت أغصانه من نبع الأمانة ونشأ في دار الوحي ورُبي في بيت التنزيل ولم يفارق النبي صلى الله عليه وآله في حال حياته الى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس ..فإنه نفس النبي صلى الله عليه وآله بصريح الآية المباركة (وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران:61.

    أوصافٌ وشمائل:
    وهو الخليفة بعده صلى الله عليه وآله دون سواه بنصه صلى الله عليه وآله الشريف.
    فما هي الأوصاف التي تذكر للأمير عليه السلام .. وكيف كان ذاك العملاق في الإنسانية..
    عذراً سيدي فليس لنا أدوات ولا كلمات لكي نصفك بما تعرف أو تألف .. إلا أنهم قالوا في وصفه: «كان عليه السلام مربوع القامة أدعج العينين سهل الخدين أزج الحاجبين حسن الوجه كان وجهه قمر ليلة البدر ... وكان عنقه إبريق فضة .. عريض الصدر والمنكبين..». نزهة المجالس:454
    وتلميذه ابن عباس قال عنه عليه السلام: «كان علي أمير المؤمنين عليه السلام يشبه القمر الباهر والأسد الخادر والفرات الزاخر والربيع الباكر فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه ومن الأسد شجاعته ومضاءه ومن الفرات جوده وسخاءه ومن الربيع خصبه وحياءه عقمت النساء أن ياتين بمثل علي بعد النبي صلى الله عليه وأله» لسان العرب:ج14ص216مادة (حيا)
    والمحب الطبري يقول: «وكان عليه السلام ربعة من الرجال أوعج العينين عظيمها، حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر.. عريض ما بين المنكبين ..والمشهور أنه كان أبيض اللحية وكان إذا مشى تكفأ شديد الساعدين واليد وإذا مشى الى الحرب هرول ثبت الجنان قوي ما صارع أحد إلا صرعة شجاع منصور عند من لاقاه..». ذخائر العقبى:ص57 وبحار الأنوار:ج32ص605ب12ح478
    وقال عنه المغيرة: «كان علي عليه السلام على هيئة الأسد غليظاً منه ما أستغلظ ودقيقاً منه ما استدق..». بحار الأنوار:ج 35 ص2 ب2 ح1
    وقال حريث: «وكان عليه السلام بشره دائم وثغره باسم غيث لمن رغب وغياث لمن ذهب مآل الآمل وثمال الأرامل يتعطف على رعيته ويتصرف على مشيته ويكفيه بحجته ويكفيه بمهجته..». بحار الأنوار:ج41ص51ب104ح3
    وأخيراً قال ابن أبي الحديد في شرحه: «وأما سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه...». بحار الانوار: ج41ص147ب107ح45

    الرسول يصف علياً:
    إن الأجمل من هذا كله هو قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ووصفه له حيث قال: «من أراد ان ينظر الى آدم في جلالته والى شيث في حكمته والى إدريس في نباهته ومهابته والى نوح في شكره لربه وعبادته والى إبراهيم في وفائه وخلته والى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته والى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه السلام». بحار الأنوار:ج17ص419ب5ح49
    وقال صلى الله عليه وآله «من أراد أن ينظر الى يوسف في جماله والى إبراهيم في سخائه والى سليمان في بهجته والى داود في حكمته فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه السلام». بحار الأنوار:ج39ص35ب73ح2
    هذا بعض ما ذكر في وصف الأمير عليه السلام وهو ولي الله الأعظم والإمام الأكبر لبني البشر.

    الأولاد:
    من فاطمة الزهراء عليها السلام: الحسن والحسين والمحسن السقط، وزينب الكبرى وزينب الصغرى (أم كلثوم) وسكينة.
    ومن غيرها غيرهم، وفي بعض الروايات كان لأمير المؤمنين علي السلام من الأولاد سبع وعشرون وفي أكثرها أربعة وثلاثون..
    منهم: محمد بن الحنفية عليه السلام، أمه خولة بنت جعفر بن قيس.
    عمر ورقية توأمان، أمهما أم حبيب بنت ربيعة.
    العباس وجعفر وعثمان وعبد الله: شهداء الطف، أمهم فاطمة بنت حزام الكلابية (أم البنين) عليهم السلام.
    محمد الأصغر (أبو بكر) وعبيد الله، شهيدان بالطف، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية.
    يحيى وعبيد الله.. أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية.
    أم الحسن ورملة.. أمهما (أم مسعود) أو (أم سعيد) بنت عروة بن مسعود الثقفي.
    نفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى وأم هاني وأم الكرام وجمانة (أم جعفر) وأمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة ..لأمهات شتى.
    وهؤلاء الكوكبة المباركة هم أبناء وبنات أمير المؤمنين عليهم السلام حسب أقوال كثير من المؤرخين...

    أنوار ولائية وإشعاعات حضارية:
    علي .. ومن كمثلك يا علي عليه السلام.
    يذكر العلامة الجليل محمد جواد مغنية رحمه الله أنه كان حاضراً في حفل بهيج لذكرى ولادة الامير عليه السلام فتعاقب الخطباء واحداً تلو الآخر والى أن قدم عريف الحفل الأستاذ شكيب أرسلان الأديب اللبناني المعروف قائلاً:
    تسمعون كلمة من الأمير شكيب، وإنما سمي أميراً لأنه شبيه بالأمير في سنانه وبيانه..
    فغضب شكيب من هذا التشبيه وانبرى الى المنبر وقال:
    والله ما أعتراني الخجل منذ خلقت حتى الساعة كما اعتراني حين سمعت المعرّف يشبهني بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ..
    والله.. إن كل ما في السماء والأرض ـ عدا الله ورسوله ـ لا يشبه الغبار الذي على حافر فرس علي بن أبي طالب عليه السلام.
    إن الله أمر بالخير.. ونهى عن الشر.. ثم خلق علياً كما يشاء وقال للناس: هذا هو المثل الأعلى فأحتذوه.. فضائل الإمام:ص180
    نعم.. علي عليه السلام المثل الأعلى.. والقدوة المثلى.. والأسوة الحسنى.. والعروة الوثقى..

    تعقيب:
    فالإمام عليه عليه السلام هو وجه الله الذي منه يؤتى ويد الله التي تصول وتجول على الإعداء..وولي الله الأولى.. ووصي الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله..
    الإمام علي عليه السلام هو صريخ المؤمنين وغوث الهاربين ونصرة المظلومين وهداية التائهين ونور الضالين وأمل المحرومين وملاذ المستضعفين وسيف الفقراء بوجه الظالمين..
    عفوك سيدي.. يا ملاذنا ومعاذنا..
    كيف لا.. وقد لاذ بك الأنبياء عليهم السلام والأولياء والصالحون إذ إنك كنت مع جميع الأنبياء بالسر والباطن.. وأيدت آخرهم وسيدهم صلى الله عليه وآله بالعلن والظاهر.
    فأنت وأنت.. ولا أحد ممن خلق الله يعلم من أنت وما أنت.. إلا الله ورسوله العظيم محمد بن عبد الله عليهم السلام، وأما بقية الخلق فاكثرهم جهال بحقك ومكانتك وكنه معناك وعظيم علمك وتقواك.. يا مولى المتقين..

    عليٌّ وآدم:
    فنبي الله آدم عليه السلام أكل من تلك الشجرة التي نهي عنها أما أنت يا سيدي فقد أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيراً فما عصيت الله طرفة عين ـ حاشاك وكنت عين الهداية ومقصود المهتدين.. فأين أنت عن الغواية..؟
    ألم يكن اسمك عظيم من بين جملة الأسماء التي تعلمها عليه السلام فتاب الله سبحانه بها عليه وعلى زوجته رضى الله عنهما وفاق الملائكة علماً فسجدوا له بك يا مولاي..؟

    عليٌّ ونوح:
    وما حال أبي البشر الثاني نبي الله نوح عليه السلام شيخ الأنبياء وسيد المعمرين الذي دعى قومه الى ربه وعبادته 950سنة وما آمن معه إلا قليل.. ألم تكن نجاته ونجاة سفينته من الطوفان والأمواج التي كانت كالجبال حينذاك إلا بك وبآلك الكرام عليهم السلام؟
    نعم.. فقد جاء في كتب الروايات وأيدته الوقائع والكشفيات الأثرية مؤخراً في اللوح المكتشف منذ الأمس القريب وذلك حينما كان فريق من خبراء المعادن الروس منكبّاً على حفر الأرض للتنقيب عن المعدن وفي كانون لعام 1951م ظهرت فجأة ألواح خشبية منخورة.. وبعد المزيد من التنقيب إتضح لهم أن هنالك الكثير من الألواح الخشبية المدفونة تحت الأرض وقد تآكل بعضها وبلي بمرور الزمان، وتوصلوا الى أن بعضها غير عادي ويشتمل على سر مكنون فيه..
    فأخذوا بمزيد من الحفر بدقة بالغة ثم استخرجوا الألواح الخشبية النخرة وعثروا من بينها على لوح خشبي مستطيل قد أدهش الجميع لان تصرم الزمان قد ابلى جميع الخشب سوى هذا اللوح الذي يبلغ طوله أربع عشر إنجاً (حوالي 35سم) وعرضه عشر إنجات (25سم) ونقش عليه بضع أحرف.

    لجنة ونتائج وكلمات:
    فشكلت الحكومة الروسية لجنة للتحقيق والبحث حول هذه الألواح في 27 شباط لسنة 1953م وكان أعضاؤها خبراء في الآثار وأساتذة مختصين باللغات القديمة..
    وبعد ثمانية أشهر من البحث والتنقيب انكشف سر ذلك اللوح الخشبي للجنة فاتضح أنه من سفينة نوح عليه السلام وقد نصب هذا اللوح عليها للبركة والإستمداد لما كتب عليه.
    وكان في وسط اللوح رسم يمثل كفّا كتبت عليه عبارات عديدة باللغة السامية، ومن ثم ترجمت اللجنة تلك العبارات الى اللغة الروسية وترجمت فيما بعد الى اللغة العربية وكانت ترجمتها بالحرف:
    يا ربي..! يا مغيثي..ّ
    بلطفك ورحمتك، وبالذوات المقدسة!
    محمد..
    وإيليا..
    وشبر..
    وشبير..
    وفاطمة..
    أعِنّي.. فإن هؤلاء الخمسة أعظم الخلق فيجب إعظامهم واحترامهم وإن جميع الدنيا خلقت لأجلهم..
    إلهي بأسماء هؤلاء اعني أنك قادر على هداية جميع الخلق الى الطريق القويم.. الإمام علي عليه السلام والأنبياء:ص43
    وكذا كان النبي سليمان عليه السلام حيث اكتشف في مطلع هذا القرن لوح سمي بـ (لوح سليمان) وكانت ترجمته بعد التدقيق والترجمة من العبرية الى العربية:
    الله
    أحمد إيلي
    باهتول
    حسن حسين
    يا أحمد أغثني
    يا علي أعني
    يا بتول احميني
    يا حسن أكرمني
    يا حسين أسعدني
    ها هو سليمان يستغيث الساعة بهؤلاء الخمسة الكرام وعليّ قدرة الله.

    عليٌّ ونبي الله داوود:
    أما داوود النبي عليه السلام صاحب الزبور فقد جاء في زبوره ما يلي:
    «إطاعة ذلك الرجل الشريف الذي يدعى (إيلي) واجبة، وإطاعته صلاح لأمور الدين الدنيا، ويسمى هذا الرجل العظيم أيضاً حدار (أي حيدر) إنه معين المساكين ومغيثهم وأسد الأسود وقوته وقدرته خارقة وسيولد في كعابا (أي الكعبة).. يجب على جميع الناس أن يتمسكوا بعروة هذا الرجل الجليل ويطيعوه كما يطيع العبد مولاه.. فاليسمع كل من له أذن واعية، وليفهم كل من له عقل فهيم، وليعلم كل من له قلب ولب لأن الوقت يمضي ولا يعود ثانية..» (الإمام علي والأنبياء:ص31)

    كلمة في المقام:
    وهكذا كان الأنبياء والأوصياء عليهم السلام يتوسلون بوجوده المبارك الى الله عز وجل في ضرائهم وشدائدهم.. فإن العظماء يعرفون قدر بعظهم البعض والأنبياء عليهم السلام يعرفون أفضل وسيلة وأقوى حبل الى الله هو الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله الأطهار لأنهم العلة الغائية للكون وهم أحد أسباب الوجود والخلق..
    ألم يقولوا عليهم السلام: نحن الوسيلة الى الله المثلى..
    ونحن الصراط المستقيم..
    ونحن حبل الله الممدود بين السماء والأرض..
    وهم العروة الوثقى التي لا انفصام لها..
    وهم سفينة النجاة للأمة.
    وهم باب النجاة للملة.
    فأستجاب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام تكون بأفضل الوسائل وأنجح الطرق الموصلة الى الهدف وسيدهم وخاتمهم كثيراً ما قال صلى الله عليه وآله: إذا أحببتم استجابة دعائكم فابدؤوه وأختموه بالصلاة التامة غير المبتورة.. وهي الصلاة على محمد وآله فإنها أحد أهم علامات قبول الدعاء والتهيؤ لاستجابته.
    نعم فإنه «لا يقاس بآل محمد أحد أبداً..»..

    الماسةُ الكبرى:
    وأمير المؤمنين عليه السلام هو الألماسة الكبرى كما سماه ذاك الحكيم وهو سيد العترة الطاهرة وأصلها المبارك الثابت.. وهو أمير في الدنيا والآخرة وإمارته في الدنيا تشمل جميع المؤمنين على امتداد التاريخ الغابر والحاضر، ومن أتت به الأيام وتأتي به الأزمان منذ آدم عليه السلام والى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ما عدا رسول الله صلى الله عليه وآله.
    فكل المؤمنين من أنبياء وأوصياء وشهداء وصالحين هو عليه السلام أميرهم لا منازع... فالأمير أمير والإمام إمام مهما طالت الأيام ومهما أبعدته.
    والأنبياء والأوصياء عليهم السلام الذي يمثلون الخط الإلهي في هذا الكون يدركون هذه الحقائق الثابتة تماماً فلا يجحدونها ـ وحاشاهم من الجحود ـ بل يلتزمونها تمام الألتزام ولهم الفخر في ذلك كما افتخر به أعظم ملائكة الله جبرئيل عليه السلام بالإنتساب الى أهل البيت عليهم السلام وهذا ما قصه حديث الكساء الشريف وغيره من الأحاديث النورانية المعتبرة والصحيحة.

    الخسران المبين:
    ولكن هذه الأمة قد جحدت حق أمير المؤمنين عليه السلام وكثير منهم أنكروا فضله وفضائله.. مع أنهم قد استيقنتها أنفسهم وبذلك خسَّروا البشرية الكثير والكثير ولم يضروا الإمام عليه السلام شيئاً حيث لا يحتاج إليهم بل هم المحتاجون إليه والى آله الأطهار عليهم السلام.. فكان جحودهم وأستنكارهم كجحود رجل يبصر الشمس ويحس بحرارتها في منتصف نهار صيفي.. فهل يضر الشمس جحوده؟ وهل تبطل أنوارها وحرارتها نكرانه..؟
    لا.. ولكن حظه الذي جحد وعقله الذي أنكر.. لا أقل من ذلك ولا أكثر، فالشمس شمس وأن أنكرها كل البشر والبدر بدر وإن خافته وأختبأت منه الخفافيش الغبية التي تخشى النور ولا مرتع لها إلا الليالي الحالكات وهي غاطسة في الظلام والظلمات..
    نعم إن أعداء الأمير عليه السلام طمسوا عقولهم ودفنوا رؤوسهم في الوحل وليس الرمل كالنعامة.. خوفاً من النور وتحاشياً للجهر بالحق وتهرباً من الحرية الحقيقية التي تعني العبودية المطلقة الى الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا معبود باستحقاق العبودية إلا له.. سبحانه وجلت قدرته..

    قالوا عنه الكثير:
    قالوا عن الأمام أمير المؤمنين عليه السلام الكثير وهذه الأقوال انطلقت من انبهار في شخصية الإمام ولا سيما ما كان ينطلق من ألسنة غير المؤمنين من أي طائفة أو دين أو ملة كانت.. وراح علماؤنا يتناقلونها ويفتخرون بها أن قال الكاتب فلان عن الإمام عليه السلام:
    إنه.. شهيد عظمته على سبيل المثال..
    أو إنه عليه السلام شخصية ولدت قبل أوانها وزمانها..
    أو إنه الدر والذهب المصفى..
    الى غير ذلك من الأقوال الجميلة في سبكها ومعناها.
    إلا أن الإمام عليه السلام كان أكبر من الزمان والمكان فهو يحيط بالجميع بإذن الله تعالى لأنها جميعاً واقعة تحت ولايته التكوينية ولا يحويه شيء أو يحيط بكنهه أو معرفة حقيقية أحد إلا الله ورسوله صلى الله عليه وآله فقط..
    والإمام علي عليه السلام موجود بسيرته العطرة في كل لحضة وفي كل أوان.. وفي كل اتجاه أو مجال من مجالات الحياة فهو لسان الميزان لأنه هو الحق.. والحق يدور معه كيفما دار أو اتجه.. فأينما يكون خير وشر ونور وظلمات فهو عليه السلام الحق والخير والنور فكان عليه السلام شهيد الحق وهو بالتالي شهيد الله وشاهد على أعمال العباد دائماً وأبداً..
    والإمام علي عليه السلام هو الحق المبين.. وليس له الدر والذهب المصفّى إلا مجازاً ومن باب ضيق التعبير! فاي در وأي ذهب فهي فلزات ومعادن.. وذاك علي عليه السلام أعلى وأجل من كل من علا إلا خالقه وابن عمه المصطفى صلى الله عليه وآله..
    فما من كتاب تطرق الى تاريخ الإسلام والإنسانية والعدالة والحقيقة.. إلا ويذكر فيه فضائل من عظيم فضائله عليه السلام ـ وكم من كتاب يختص بالفضائل ـ ولم يكتب أحد ولم يوضع كاتب ولا أديب في الفضائل إلا كان أمير المؤمنين عليه السلام في رأس قائمة الفضائل تلك.
    فالأمير عليه السلام فضيلة وما بعدها فضيلة وكل الفضائل منه تستقي وكل الفضلاء من نبعه ترتوي ومن هطل غيثه تنتشي والحديث طويل وجميل والمقام عظيم وجليل إلا أن علينا الإختصار ورعاية المقام..

    الشهادة المفجعة:
    الشهادة: مقام وفضل ونور إلهي يعطيه لأصحاب المراتب العالية من المؤمنين فكان الأجدر بأمير المؤمنين وامامهم عليه السلام ان يكون شهيداً؟
    والمفجعة: لأنها فجعت لها السماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن فما من مؤمن من الإنس أو الجن أو الملائكة إلا وقد فجع باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: «بكت السماء دماً على علي عليه السلام ثلاثة أيام» . مناقب ابن آشوب:ج2ص246
    والشهادة محررة: لأنها حررت الإمام عليه السلام من الدنيا ومصاعبها فقال عليه السلام حين ضربه اللعين: «فزت ورب الكعبة». بحار الأنوار:ج41ص2ب99ح4
    فالفوز كان بالشهادة في محراب العبادة في مسجد الكوفة المبارك..
    فولادته عليه السلام كانت في جوف الكعبة المشرفة وشهادته كانت في محراب الكوفة المقدسة بمسيل دمائه الطاهرة على ترابها..
    وكان ذلك في صبيحة يوم 19من شهر رمضان المبارك حيث كمن له أشقى الأولين واللآخرين ابن ملجم المرادي (لعنه الله) وعندما أخذ الإمام عليه السلام بنافلة الفجر ضربه بسيفه المسموم على قرنه الشريف فخضب لحيته الشريفة من دمه الطاهر كما أخبره ابن عمه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
    وأنتقل الإمام عليه السلام الى جوار ربه بعد يومين من تلك الحادثة أي في ليلة 21من شهر رمضان المبارك سنة 40 للهجرة المباركة..
    فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً ليكون حامل لواء الحمد وساقي الحوض وقسيم الجنة والنار..

  • #2
    الإمام علي عليه السلام... شهيد ليلة القدر

    وتبدو العلاقة علاقة وطيدة ومتينة، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ثغرة ولو بمقدار شعرة. فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء



    في مثل ليلة القدر الجليلة يفترض أن نتساءل عن العلاقة بين هذه الليلة وبين شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أو لنقل العلاقة بين القرآن ووصي المرسل بالقرآن؟
    وتبدو العلاقة علاقة وطيدة ومتينة، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ثغرة ولو بمقدار شعرة. فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء والرحمة، تجلت أيضاً وهي نفسها لم تتغير في هذا الإنسان الفريد.
    لقد كان الجيل الأول الذي أنزل عليه الكتاب يمتاز بأنه قد تجلت فيه وفي أفعاله وصفاته ومواقفه وحتى أفكاره، آيات الكتاب.
    وكان أمير المؤمنين صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصنيع القرآن، والشهيد والشاهد بالقرآن الكريم، وكان بدوره قرآناً ناطقاً.
    وإذا ما سأل أحدهم عن تطبيق هذا القرآن، وكله سمو وعظمة ومجد وخلق عظيم، وعن إمكان تحقق كل ذلك في هذا الكائن الضعيف الذي تحوم حوله الشكوك والأوهام، وتحتوشه المشاكل والمخاطر والشهوات، وهو الكائن المدعو بالإنسان؟!
    أقول: بلى؛ لقد طبق أناس ما جاء في الكتاب بحذافيره، ولم تكن ثمَّ فاصلة تعزلهم عما كان يحتوي، وعلى رأس من حقق ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا الإنسان الذي سئل أحد الصحابة عنه، فأجاب بقوله: كان خُلُقُه القرآن.
    فإذا أردت رسول الله فاقرأ القرآن، وإذا أردت القرآن فأنظر إلى رسول الله. ونفس رسول الله علي بن أبي طالب بشهادة القرآن، إذ قال في قصة المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ(
    ولذلك؛ كان إذا أردنا فهم كتاب الله، فعلينا أن نفهم رسول الله ثم علياً والأئمة من ولده سلام الله عليهم أجمعين. وإذا أردنا أن نفهمهم، فلابد من قراءة القرآن قراءة حكيمة واعية. فقد كان أحدهم انعكاسا للآخر وتجسيدا له، وإذا رغبنا باتباع القرآن فما علينا إلا دراسة حياة النبي وأهل بيته وأتباعهم، وعكس ذلك صحيح قطعا.
    فالإنسان الواعي والمنصف والراغب في معرفة القرآن يجد أن كل نص فيه أو مفهومه متجسداً بأهل البيت. فإذا هو قرأ قوله سبحانه وتعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) وجد مصداقه في حمزة سيد الشهداء، حيث وجده النبي صلى الله عليه وآله متضرجاً بدمائه لما أصابه بما يزيد على سبعين جرحاً، أما ما تجسد في الإمام علي عليه السلام وفي المعركة ذاتها، قال الرسول الله صلى الله عليه وآله، إن هذا موضع شكر، تعقيبا على إرشاد الرسول له بالتحلي بالصبر. ثم إنك لتراه ولعل دموعه كانت تجري على خديه مخاطبا النبي الأكرم: لقد فاتتني الشهادة، فيبشره النبي بأنها وراءه. فبقي علي بن أبي طالب طيلة حياته ينتظر لحظته الموعودة، حتى كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وهي من ليالي القدر، حيث كان يكثر من الدعاء إلى الله بتعجيل الشهادة واللحاق بالرسول الأكرم. فقد استشهد على يد أشقى الآخرين، حيث إستقبل الضربة الغادرة القاتلة بمقولته الشهيرة التي ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عن التلاحم المطلق بكتاب الله: (فزت ورب الكعبة).



    ​السيد محمد تقي المدرسي​

    تعليق


    • #3
      ومن اوضح مصاديق الفوز برضوان الله تعالى ما حدث للإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)

      لحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرّ الميامين المنتجبين، واللعن الدّاَئم على أعدائِهم إلى قيام يوم الدِّين...
      أمَّا بعد:
      فإنَّ النَّبي الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، لاقوا ما لاقوه من أعداء الاسلام والإنسانية، من غدرٍ وقتلٍ وسبيّ وسمّ، وعلى الرَّغم من أنهم (صلوات الله تعالى عليهم) لم يفتتنوا في الدّنيا الفانيَّة الزَّائلة، ولم يتعلقوا بها، بل طلقوها (عليهم السَّلَام)، وفازوا بما يرضي الله تعالى بطاعتهم وبتسليمهم المطلق له (عزَّ وجلّ)، والشهادة في سبيل إحياء العدل الإلهي، وهذا هو الفوز العظيم الأكبر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[1].

      ومن أوضح مصاديق الفوز برضوان الله تعالى ما حدث للإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) عندما ضربه اللعين ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله تعالى) في التاسع عشر من شهر رمضان، وفي هذا اليوم اعتصرت قلوب المؤمنين لوعة وألمًا، على ما حدث من أمرٍ اهتز لأجله كرسي العرش وتهدَّمت أركان الإيمان، وعندمَا جُرحِ وصي الرسول ووليِّ الرَّحمن (عليه السَّلَام) قال: (فزتُ وربّ الكعبة)، وهنا يمكننا القول إنَّ المقصود من جملة (فزتُ وربّ الكعبة)، هو: الفوز بجميع صوره، كالفوز بالمنهج الصحيح القويم الذي سار فيه (عليه السَّلَام)، وهو منهج الرَّسول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وكذلك الفوز بالشَّهادة، وهذه لهي الغاية عند الإمام (عليه السَّلَام)، وهي السَّمة البارزة التي طبعت جميع حركاته وسكناته، وفي ضوئها يجب أن تفسر أقواله وأفعاله منذ يومه الأول مع رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) إلى النَّفس الأخير من حياته[2].

      فكان الإمام يتطلع إلى الشهادة شوقًا، وشقَّ عليه (عليه السَّلَام) أن لا يستشهد في سبيل اللَّه، وكان يسأل الله تعالى أن يمنحها له، ولمَّا أيقن بالشهادة وأنَّها آتية لا ريب فيها، لأنَّ الصَّادق الأمين مُحَمَّد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وعده بها، وما لوعده من تغيير، فاستبشر الإمام (عليه السَّلَام) وشكر الله تعالى على نعمة الشهادة، وهذا ما روي عنه (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) في قوله: (فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللَّه، أَولَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ، حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ، فَقَالَ لِي: إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، ولَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى والشُّكْرِ)[3].

      وحين أتته (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) الشهادة ببهجة البشرى وفرحتها فعدّها (عليه السَّلَام) بالفوز الأكبر، فقال: (فزت ورب الكعبة)[4].

      وهذا هو الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، لا يفرح بالخلافة والولاية، وإن أتت منقادة تجرر اليه أذيالها، ويفرح بالضَّربة المسمومة القاتلة؛ لأنَّ الجنَّة بعدها ووراءها: (وما من شر بعده الجنَّة بشر)[5]، (وكل نعيم دون الجنة فهو محقور، وكل بلاء دون النَّار عافية)[6].

      وبالرغم من كلّ ما لاقاه هذا الإمام العظيم من غُبن وحَيف وظلم، فإنّه كان مستقرّ النفس مطمئن الضمير ثابت اليقين; لأنّه لم يعمل لأجل أمجاد الأرض وثناء أهلها، وإنّما عمل لأجل أمجاد السماء ورضوان من الله أكبر، ولهذا عندما أُصيب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) برأسه الشَّريف الطَّاهر في بيت ربِّه تعالى وهو يقول: (فُزت وربّ الكعبة)، ولو كان (عليه السَّلَام) يعمل لأمجاد الأرض، لما كان سعيدًا بفوزه بالشهادة[7].

      أما لو كان غير الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، لكان يخشى أن يكون ما بعد الموت أدهى وأمرّ، وقد قال قائل يؤمن باللَّه واليوم الآخر:

      ولو إنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حيّ[8].

      فكان (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) ينتظرها بفارغ الصَّبر ويقول: (ما ينتظر أشقاها أن يخضّب هذه من دم هذا)[9]، وقال (عليه السَّلَام) أكثر من مرة: (واللَّه ليخضبنها من فوقها)[10].

      وبهذا نجد تفسير قوله: (وَاللهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَمَا كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِب وَرَدَ، وَطَالِب وَجَدَ، (وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبرَارِ)[11]، ذلك لأنّ أولياء اللَّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإنّما يكره الموت من تعلَّق بالدّنيا ونسي حظَّه الأوفر في العقبى، وأمّا أولياء اللَّه فهم في الدّنيا كمن ليس منها، ثم أومأ إلى السبب الموجب لحبّه الموت بقوله تعالى: ﴿وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلأَبْرارِ﴾[12]، والإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) صفوة الأبرار وإمام الأخيار[13].

      وفي الختام: لا يسعنا إلَّا أن نقدّم العزاء إلى مقام صاحب العصر والزَّمان الإمام مُحَمَّد المهديّ المنتظر بن الحَسَن العَسْكَرِيّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليهما) بمصاب سيِّدنا ومولانا وإمامنا أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، وعظَّم الله تعالى أجور شيعته في مصابهم الجلل، ونسأل الله تعالى أن يتقبَّل أعمالنا بأحسن قبول بحقّ مُحَمَّد وآله الأطهار (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين)، واللعن الدَّائم على أعدائِهم من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدِّين، إنَّه سميعٌ عليم...
      الهوامش:
      [1] الاحزاب: 71.
      [2] ينظر: في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 1/99.
      [3] نهج البلاغة: خ: 156، تحقيق: صبحي الصَّالح.
      [4] في ظلال نهج البلاغة: 1/99.
      [5] في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 1/99.
      [6] ميزان الحكمة، محمد الريشهري: 3/2022.
      [7] يُنظر: مسند الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، السَّيِّد أحمد القبانجي: 1/8.
      [8] في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 2/280.
      [9] مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة)، الميرجهاني: 2/347.
      [10] الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، أحمد الرَّحماني الهمداني: 786.
      [11] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): 3/21.
      [12] آل عمران: 198.
      [13] ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي الهاشمي: 18/361، وفي ظلال نهج البلاغة: 3/441.

      تعليق


      • #4


        ليلة 21 شهر رمضان-ليلة لقاء الله

        الشهادة





        خَطبٌ أَلَمَّ بركنِ الدِّينِ فانهَارَا أَودَى الغَداةَ بِقلْبِ المُصطَفى نَارا
        فأيُ حادثةٍ في الدينِ قد وَقَعَت فألبَسَتْه مِن الأشجَان أطْمَارا
        هذا عليٌ أميرُ المؤمنينَ لُقىً مُضرَّجاً بِدمٍ مِن رأسِه فَارا
        أرْدَى ومِن حَولِه المسلمين ترى من دهشةِ الخَطْبِ إقْبَالاً وإدبَارا
        وافَتْ إليهِ بنوهُ الغُرُّ مُسْفِرَةً عن أوجهٍ تملأُ الظَلماءَ أنوَارا
        تدعوهُ والعينُ عَبْرَى تَستَهِلُّ دَماً والحُزنُ أجَّجَ في أحشائها نارا
        يا نيِّراً غابَ عن أُفْقِ الهُدى فأَرَى أُفْقَ الهُدى لا يُرى للصُبحِ إسْفارا
        تَرضَى بِبَطْنِ الثَرَى قَبْراً وقَلَّ عُلاً لو اتّخذتَ بعينِ الشمسِ إقبَارا
        وقَبْلَ نعشِكَ ما شاهدتُ نعشَ فَتَىً من فوقِ أعناقِ أملاكِ السَما سَارا
        أبكيكَ في الجدبِ مِطْعامَاً سَواغِبَها وفي لَظَى الحربِ مِقدَاماً ومِغوَارا
        فلا أرَى بعدَ حامِي الجارِ من أحَدٍ يُجيرُنا من صُروفِ الدّهرِ لو جارا
        فلا بَدى بعدَهُ بَدرٌ ولا طَلعَت شمسٌ ولا فَلَكٌ في أُفقِها دَارا1


        الليلة الأخيرة:
        قال الأصبغ بن نباتة: لمّا ضُرب علي عليه السلام الضربة التي مات فيها، كنّا عنده ليلاً فأغمي عليه فأفاق فنظر إلينا، فقال: ما يجلسكم؟ فقلنا: حبّك يا أمير المؤمنين، فقال: أَمَا والّذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام، والإنجيل على عيسى عليه السلام، والزبور على داود عليه السلام، والفرقان على محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا يحبّني عبدٌ إلّا رآني حيث يسره، ولا يبغضني عبدٌ إلّا رآني حيث يكرهه.

        إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبرني أنّي أضرب في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان في الليلة التي مات فيها موسى عليه السلام، وأموت في ليلة إحدى وعشرين تمضي من شهر رمضان، في الليلة التي رفع فيها عيسى عليه السلام، قال الأصبغ: فمات والّذي لا إله إلّا هو فيها2.

        وفي هذه الليلة دعا أمير المؤمنين عليه السلام الحسن والحسين عليهما السلام فقال: "إنّي مقبوضٌ في ليلتي هذه ولاحق برسول الله صلّى الله عليه وآله، فاسمعا قولي وعِياه، أنت يا حسن وصيّي والقائم بالأمر بعدي، وأنت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت ما نطق، وكن لأمره تابعاً ما بقي، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر.

        وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلّا من أطاعه، ولا يهلك إلّا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد"3.

        وقال لهما: "احبسوا هذا الأسير وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن عشتُ فأنا أولى بما صنع فيَّ، إن شئتُ استقدتُ وإن شئتُ صالحت، وإن متّ فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به"4.
        و"إياكم والمثلة، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عنها ولو بكلبٍ عقور"5.
        "يا بَني عبد المطلب لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتلَنَّ بي إلّا قاتلي"6.

        عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في مرضه الذي قبض فيه، فحلَّ عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس، فقال لي: يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة، قال: فبكيت عند ذلك وبكت أمّ كلثوم وكانت قاعدة عنده، فقال لها: ما يبكيك يا بنيّة؟ فقالت: ذكرتَ يا أبه أنّك تفارقنا الساعة، فبكيت، فقال لها: يا بنيّة لا تبكين، فوَالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيتِ! قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا حبيب أرى ملائكة السماء والنبيّين بعضهم في أثر بعض وقوفاً إلى أن يتلقّوني، وهذا أخي محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس عندي يقول: أقدم فإنّ أمامك خيرٌ لك ممّا أنت فيه7.

        قال محمّد بن الحنفيّة: لمّا كانت ليلة إحدى وعشرين وأظلم الليل وهي الليلة الثانية من الكائنة، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودّعهم، ثمّ قال لهم: الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل، وأوصاهم- الجميع منهم- بلزوم الإيمان والأديان والأحكام التي أوصاه بها رسول الله صلّى الله عليه وآله.

        فمن ذلك ما نقل عنه عليه السلام أنّه أوصى به الحسن والحسين عليهما السلام "أوصيكما بتقوى الله، و(أن) لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء منها زوي عنكما، قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، واعملا بما في كتاب الله، ولا تأخذكما في الله لومة لائم".

        ثمّ نظر إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة، فقال: يا بنيّ أفهمت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم يا أبة، قال: يا بنيّ أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك وتعظيم حقّهم، (وتزيين) أمرهم، ولا تقطع أمراً دونهما.
        ثمّ قال للحسن والحسين: وأوصيكما به فإنّه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه، فأحبّاه8.

        لحظات الوداع:
        قال: ثمّ تزايد ولوج السمّ في جسده الشريف، حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرّتا جميعاً، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه، ثمّ أصبح ثقيلاً، فدخل الناس عليه، فأمرهم ونهاهم وأوصاهم، ثمّ عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالى، وجعل جبينه يرشح عرقاً وهو يمسحه بيده، قلت: يا أبتِ أراك تمسح جبينك، فقال: يا بنيّ إنّي سمعت.. رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إنّ المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب، وسكن أنينه، ثمّ قال: يا أبا عبد الله ويا عون، ثمّ نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيراً وكبيراً واحداً بعد واحد، وجعل يودّعهم ويقول: الله خليفتي عليكم أستودعكم الله وهم يبكون، فقال له الحسن عليه السلام: يا أبه ما دعاك إلى هذا؟ فقال له: يا بنيّ إنّي رأيت جدَّك رسول الله صلّى الله عليه وآله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل والأذى من هذه الأمّة، فقال لي: ادعُ عليهم، فقلت: اللهم أبدلهم بي شراً منّي وأبدلني بهم خيراً منهم، فقال لي: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث، يا أبا محمّد أوصيك- ويا أبا عبد الله- خيراً، فأنتما منّي وأنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة عليها السلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين عليهما السلام.

        ثمّ قال: أحسن الله لكم العزاء، ألا وإنّي منصرفٌ عنكم، وراحلٌ في ليلتي هذه، ولاحقٌ بحبيبي محمّد صلّى الله عليه وآله كما وعدني، فإذا أنا متّ يا أبا محمّد فغسِّلني وكفِّني وحنِّطني ببقية حنوط جدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله فإنّه من كافور الجنّة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه، ثمّ ضعني على سريري، ولا يتقدّم أحدٌ منكم مقدّم السرير، واحملوا مؤخّره واتّبعوا مقدّمه، فأيّ موضعٍ وضع المقدّم فضعوا المؤخّر، فحيث قام سريري فهو موضع قبري، ثمّ تقدّم يا أبا محمّد وصلّ عليّ يا بنيّ يا حسن، وكبِّر عليَّ سبعاً، واعلم أنّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلّا على رجلٍ يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي، من ولد أخيك الحسين، يقيم اعوجاج الحق، فإذا أنت صلّيت عليَّ يا حسن فنَحِّ السرير عن موضعه، ثمّ اكشف التراب عنه، فترى قبراً محفوراً ولحداً مثقوباً وساجة منقوبة، فأضجعني فيها، فإذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فإنّك لا تجدني، وإنّي لاحق بجدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله، واعلم يا بنيّ ما من نبيّ يموت وإن كان مدفوناً بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلّا ويجمع الله عزّ وجلّ بين روحيهما وجسديهما، ثمّ يفترقان فيرجع كلّ واحد منهما إلى موضع قبره وإلى موضعه الذي حطّ فيه، ثمّ أشرج اللحد باللبن، وأَهِل التراب عليّ ثمّ غيِّب قبري9...
        إلى الرفيق الأعلى:
        ثمّ أغمي عليه ساعة، وأفاق وقال: هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعمّي حمزة، وأخي جعفر، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكلّهم يقولون: عجِّل قدومك علينا فإنّا إليك مشتاقون، ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم، وقال: أستودعكم الله جميعاً سدَّدكم الله جميعاً حفظكم الله جميعاً، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة.

        ثمّ قال: وعليكم السلام يا رسل ربي، ثمّ قال: "لمثل هذا فليعمل العاملون إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" وعرق جبينه، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهّد الشهادتين، ثمّ استقبل القبلة وغمَّض عينيه ومدّ رجليه ويديه، وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ قضى نحبه عليه السلام.....

        وا إماماه!! واعليّاه!! واسيّداه!!....


        وارتفعت الصيحة... فعلم أهل الكوفة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجاً أفواجاً، و صاحوا صيحةً عظيمة، فارتجّت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب، وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله......

        قال محمّد بن الحنفيّة: ثمّ أخذنا في جهازه ليلاً وكان الحسن عليه السلام يغسّله والحسين عليه السلام يصبّ الماء عليه، وكان عليه السلام لا يحتاج إلى من يقلِّبه، بل كان يتقلَّب كما يريد الغاسل يميناً وشمالاً، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر، ثمّ نادى الحسن عليه السلام بأخته زينب وأمّ كلثوم وقال: يا أختاه هلمي بحنوط جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله، فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به...

        ثمّ لفّوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام، ثمّ وضعوه على السرير، وتقدّم الحسن والحسين عليهما السلام إلى السرير من مؤخّره وإذا مقدّمه قد ارتفع ولا يُرى حامله، وكان حاملاه من مقدَّمه جبرئيل وميكائيل... فحملا مؤخّره وسارا يتبعان مقدّمه.

        ...فلمّا انتهيا إلى قبره وإذا مقدّم السرير قد وضع، فوضع الحسن عليه السلام مؤخّره ثمّ قام الحسن عليه السلام وصلّى عليه والجماعة خلفه، فكبّر سبعاً كما أمره به أبوه عليه السلام ثُمّ زحزحنا سريره وكشفنا التراب، وإذا نحن بقبرٍ محفورٍ ولحدٍ مشقوقٍ وساجةٍ منقورة مكتوبٌ عليها: "هذا ما ادّخره له جدّه نوح النبي للعبد الصالح الطاهر المطهّر" فلمّا أرادوا نزوله سمعوا هاتفاً يقول: أنزلوه إلى التربة الطاهرة، فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدُهش الناس عند ذلك وتحيّروا، وأُلحد أمير المؤمنين عليه السلام قبل طلوع الفجر10.

        ولمّا أُلحِد عليه السلام وقف صعصعة بن صوحان العبدي رضي الله عنه على القبر، ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى قد أخذ بها التراب ويضرب به رأسه، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي يا أمير المؤمنين، ثمّ قال: "هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك.....".
        وقال يرثيه عليه السلام:
        أَلا مَن لي بِأُنسِكَ يا أُخيَّا ومَن لي أَن أَبثَّكَ ما لدَيّا
        طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرٍ قد تَوالى لِذاكَ خُطوبُه نَشْراً وَطَيّا
        فَلو نشرَتْ قِواكَ ليَ المَنايا شكوتُ إليكَ ما صَنَعَتْ إلَيَّا
        بَكيتُكٌ يا عليُّ بِدُرِّ عَيني فَلم يُغنِ البُكاءُ عَليكَ شَيَّا
        كفى حُزناً بِدفنِك ثُمّ إنّي نَفضتُ تُرابَ قَبرِكَ مِن يَدَيّا
        وكانت في حياتِكَ لي عِظاتٌ وأنتَ اليومَ أوْعَظُ مِنكَ حَيَّا
        فيا أسفَا عليكَ وطولَ شَوقِي إليكَ لَوْ اْنَّ ذلكَ رَدَّ شيَّا11

        ثمّ بكى بكاءً شديداً وأبكى كلّ من كان معه، وعدلوا إلى الحسن والحسين ومحمّد وجعفر والعبّاس ويحيى وعون وعبد الله عليهم السلام فعزّوهم في أبيهم صلوات الله عليه، وانصرف الناس، ورجع أولاد أمير المؤمنين عليه السلام وشيعتهم إلى الكوفة، ولم يشعر بهم أحد من الناس12.

        بنفسي ومالي ثمّ أهلي وأسرتي فداءٌ لمَن أمسى قتيلَ ابنِ مُلجَم
        عليٌ أميرُ المؤمنين ومَن بكت لمقتله البطحاءُ وأكنافُ زمزم


        1- القصيدة للشيخ كاظم السبتي الذاكر النجفي رحمه الله، انظر: الأنوار العلوية لجعفر النقدي، ص397.
        2- النقدي: الأنوار العلوية، ص384.
        3- المحمودي: نهج السعادة في مستدركات نهج البلاغة، ج2، ص740-741.
        4- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص206 عن قرب الإسناد.
        5- نهج السعادة، ج2، ص741.
        6- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص239.
        7- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص201 عن الأمالي للصدوق.
        8- المحمودي: نهج السعادة في مستدركات نهج البلاغة، ج2، ص733-734.
        9- وكان غرضه عليه السلام بذلك لئلا يعلم بموضع قبره أحدٌ من بني أمية، فإنهم لو علموا بموضع قبره لحفروه وأخرجوه وأحرقوه، كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين عليه السلام...
        10- بحار الأنوار، ج42، ص290-295.
        11- ابن شهراشوب: مناقب آل أبي طالب، ج3، ص97.
        12- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص295-296.


        تعليق


        • #5
          أمير المؤمنين (عليه السلام): ما الذي يمكن أن نتعلمه؟




          كان الإمام ليس فقط مقاتلًا شجاعًا في ميادين القتال، بل كان حاميًا للحق والعدالة في زمنٍ كانت تُغتصب فيه الحقوق وتُفقد فيه البوصلة الأخلاقية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن نتعلمه من حياة هذا القائد الفذ في عالمنا المعاصر؟...

          في ظل الفوضى التي تعصف بالعالم اليوم، بين الحروب، الفقر، الفساد، والانقسامات السياسية، تبرز الحاجة إلى قادة يتمتعون بالحكمة والشجاعة التي تبني المجتمعات وتحقق العدالة. وإذا كان هناك قائدٌ في التاريخ يبرز بوصفه نموذجًا متكاملاً للمسؤولية والشجاعة، فهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). كان الإمام ليس فقط مقاتلًا شجاعًا في ميادين القتال، بل كان حاميًا للحق والعدالة في زمنٍ كانت تُغتصب فيه الحقوق وتُفقد فيه البوصلة الأخلاقية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن نتعلمه من حياة هذا القائد الفذ في عالمنا المعاصر؟ هل يمكن لنا أن نستلهم من سيرته ما يساعدنا على معالجة الأزمات التي نواجهها اليوم؟ هذا ما سنكتشفه في هذا المقال، حيث نغوص في حياة أمامنا ونستلهم دروسًا مهمة في القيادة، العدالة، والإنسانية لواقعنا اليوم.
          القائد الفذ

          في عصره، كان علي بن أبي طالب أحد القادة العسكريين البارزين، وقد شارك في العديد من الغزوات الهامة، بما في ذلك معركة بدر، وأحد، والخندق، واليرموك. إلا أن ما يميز علي ليس مجرد شجاعته في ساحة المعركة، بل قوته في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وقيادته الحكيمة التي تجمع بين العقل والقلب.
          في معركة بدر، كان أمير المؤمنين هو الذي جسّد القائد الذي يضحي ويقود في أصعب الظروف. وكذلك في معركة الخندق، حيث كانت عظمة استراتيجيته في تحديد شكل الدفاع الذي هزم أعداء المسلمين. كما أنه خاض معركة طويلة ضد قوى الباطل والظلم التي تجسد في خوارج معركة النهروان، مما أظهر قدرته على الحفاظ على تماسك الأمة رغم الانقسام الداخلي.
          اليوم، إذا نظرنا إلى ما نعيشه من تحديات على صعيد الحروب السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، نجد أن الحاجة لقائد حكيم قادر على توحيد الصفوف، ووضع استراتيجيات فعّالة، تُعتبر أكثر أهمية من أي وقت مضى. فكما كان علي بن أبي طالب يقود الأمة الإسلامية في أوقات الشدة، نحن اليوم بحاجة إلى قادة يتحلون بنفس الشجاعة في مواجهة التحديات الكبرى، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، وأيضًا في كيفية مواجهة قوى الفساد والانقسام التي تهدد وحدتنا المجتمعية.
          حامي الحق والعدالة

          واحدة من أبرز صفات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كانت عدالته الصارمة، فقد كانت العدالة بالنسبة له قيمة لا يمكن المساومة عليها، حتى لو كانت ضد أقرب المقربين إليه. ففي إحدى القضايا الشهيرة، حيث وقف أمامه شخص من أهل بيته متهمًا بسرقة درع، لم يتردد في تطبيق القانون بحزم، مؤكدًا أن العدالة يجب أن تكون سيدة الموقف مهما كانت الظروف.
          في عصرنا الحالي، حيث تزداد حالات الفساد في الحكومات والمؤسسات، وتشهد المجتمعات تفاوتًا فاحشًا بين الطبقات الاجتماعية، نجد أن العدالة أصبحت غائبة عن العديد من القضايا اليومية. ويحتاج العالم اليوم إلى قادة يتبنون مبدأ العدالة في كل قرار، ويضعون مصلحة العامة قبل المصالح الشخصية أو الحزبية. مثلما فعل علي بن أبي طالب في معركته ضد الظلم، يجب علينا أن نكون مدافعين عن الحقوق، خاصة في الوقت الذي تتراجع فيه القيم الإنسانية على المستوى العالمي.
          التحديات الراهنة

          في عالم يعاني من الحروب المستمرة، القمع، التفاوت الاجتماعي، وتفشي الفقر، هناك حاجة ملحة لتطبيق قيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حياتنا اليومية. فاليوم، نرى الكثير من القضايا التي تتطلب تدخلًا فوريًا لوقف الظلم وتطبيق العدالة: من حقوق الإنسان إلى قضايا البيئة والعدالة الاجتماعية، ومن محاربة الفساد إلى بناء مجتمعات قائمة على المساواة.
          تُظهر لنا تجارب معاصرة، مثل تلك التي تحدث في العديد من الدول العربية، أن الفساد وتغييب العدالة يعمقان من الفجوات الاجتماعية، ويؤثران سلبًا على استقرار البلدان. نحن بحاجة إلى تطبيق العدالة والمساواة في كل قرار، سواء كان في السياسة أو الاقتصاد أو الحقوق الاجتماعية. علي بن أبي طالب كان يعلم أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح فقط، بل في الالتزام بالمبادئ الأخلاقية التي تحكم التصرفات البشرية. فإذا أردنا حل مشاكلنا الحالية، يجب أن نعود إلى هذه المبادئ القوية.
          إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ليس فقط جزءًا من تاريخنا، بل هو مصدر إلهام دائم للأجيال القادمة. حياته مليئة بالدروس في القيادة، الشجاعة، العدالة، والإنسانية، وهي دروس تحتاج إليها مجتمعاتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى. ففي زمن يتراجع فيه الأمن الاجتماعي، ويزداد فيه الظلم والتفاوت بين الناس، تظل سيرته نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه القائد الحقيقي.
          علينا أن نستلهم من مواقف علي بن أبي طالب في مواجهة التحديات، وأن نُعيد إحياء مفاهيم العدالة والمساواة في حياتنا اليومية. إذا أردنا بناء عالم أفضل وأكثر عدلاً، يجب أن نتحلى بالشجاعة والصدق في مواجهة الظلم، وأن نعمل جميعًا من أجل تحقيق حق الإنسان في العيش الكريم. كما قال علي بن أبي طالب: "الناس عبيد الدنيا، وإذا ذُكروا بالآخرة قلَّ الداعون". لنكن من أولئك الذين يستلهمون الحق ويدافعون عنه، حتى وإن كانت الرياح ضدهم، فذلك هو الطريق نحو التغيير الحقيقي.
          ​شبكة النبا المعلوماتية

          تعليق


          • #6
            اعظم الله اجورنا واجوركم

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X