بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[1].
الدعوة الباطلة ممن ينسبون لأنفسهم كونهم أولياء الله وأحباؤه فيتجبرون، لذا أمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وآله بتلاوة القرآن الكريم على أهل الكتاب لأجل ردعهم عن التعدي، واعلامهم أن الخلوص في الاعمال لله شرط لقبولها، وأن من كان في اقامة صورة العبادة في حاق قلبه ملاحظا للخصوصية، مثل أن هذا الحكم قد جاء به والدي، أو ابن عمي، أو من كان من طائفتي كأولاد اسحاق عليه السّلام لا يقبل اعماله.
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ﴾، وهما هابيل وقايين أو قابيل فانهما قد اتيا بعبادة واقعة في شريعة آدم عليه السّلام من رفع اليد من مقدار من المال في سبيل الله؛ وهابيل لخلوصه في عبادة الله لاحظ عظمة الله وفهم ألا يناله البر إلا برفع اليد عما يحب، فأتى بكبش سمين محبوب له وجعله قربانا (ما يتقرب به الى الله)؛ وقايين أو قابيل لم يلاحظ ذلك وكان غرضه محض ايجاد صورة مرسومة، فأتى من الزرع بما لا يكون محبوبا.
فمن باب اقامة الحجة من الله عليهما قد تقبل من هابيل بنزول النار وابتلاعه وكانت ذلك امارة القبول ولم يتقبل من قايين أو قابيل، ليرتدع عن عدم الخلوص ويعرف عظمة الله وعظمة عبادة الله، فما ارتدع عما صدر منه من الشناعة من عدم خلوصه واتيانه بشيء دنيء فقال: لأخيه إني اقتلك محققا حتى لا تكون فائقا عليّ عند الناس، أو عند الله ايضا بزعمه الفاسد، وتوهمه أن ذلك يصير سببا لردع الله عن عمله، ومن بعد ذلك لا يصدر منه هذا النحو من العمل من قبول أحد العملين وعدم قبول الاخر.
وبما أن كل نورانية تحصل في القلب تصير سببا لاستعداده للنورانية الأعلى فالنورانية الحاصلة لهابيل عليه السّلام من هذا العمل أو ساير اعماله السابقة ايضا صارت سببا لعدم همه بقتل اخيه ولو كان اخوه قاتلا له.
فقال لأخيه إن بسطت يدك لقتلي ما ابسط يدي لقتلك، لأني اخاف الله الذي هو رب لتمام العوالم، فان العالم لا ينحصر في هذا العالم حتى يصير التفوق حاصلا للقاتل بقتله المقتول بل يكون عالم آخر يجزى فيه الله تعالى على حسب الاعمال فيصير يوم القاتل اشد من يوم المقتول.
وأنا لأجل حبي اياك من باب الاخوة اريد أن ترجع من هذا الاثم الذى تقع فيه بسبي اذ الحسد عليّ صار سببا لقتلك إياي وكذا من الاثم السابق الحاصل لك من عدم الخلوص وعدم الاعتناء بعظمة الله الذي صار سببا لعدم قبول عملك مخافة أن تكون من اصحاب النار أو أني أريد من باب قطعك رحمي أن ترجع الى الله بإثمي أي طبيعته وإثمك، فإن كل معصية كانت صادرة من المقتول ظلما يكون على عهدة القاتل ظلما، وتمام العقاب عليه، فكأنه قال: أني لا اقتلك قتلا دنيويا، بل اقتلك قتلا اخرويا، واحمل عليك تمام آثامي وآثامك لان ذلك جزاء الظالمين.
ومع تمام تلك الامور الرادعة من النصيحة ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ، فَقَتَلَهُ﴾، فصار من الخاسرين لأخذه بالدنيا وتركه الاخرة، وتلك المعاملة (أي بيع الاخرة بالدنيا) فيها خسران عظيم.
ثم تحير في جسد المقتول خوفا من رؤية ابيه وأمه واخواته فبعث الله الغراب ولعله لاحترام هابيل حتى لا ينتهك، فيبحث الارض بالآلة الداخلية من المنقار والرجلين للحفر والقاء التراب، فيعلم القاتل وكتم جسد المقتول حتى لا يكون أدنى من الغراب، ولم تكن سوأة اخيه منكشفة.
وقد ورد عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ قَابِيلَ بْنَ آدَمَ مُعَلَّقٌ بِقُرُونِهِ فِي عَيْنِ اَلشَّمْسِ تَدُورُ بِهِ حَيْثُ دَارَتْ فِي زَمْهَرِيرِهَا وَحَمِيمِهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ صَيَّرَهُ اَللهُ إِلَى اَلنَّارِ))[2].
[1] سورة المائدة، الآية: 21.
[2] تفسير الصافي، ج 2، ص 30.
تعليق