بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾[1].
﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾، الامر الواقع الكاشف عن تحقق المظلوم المحض، والظالم المحض، من باب الصفة الخبيثة لا لأجل نقص في افعال المظلوم ﴿كَتَبْنَا﴾، على بني اسرائيل؛ ولا يدل على الحصر ولا على أن قبله لا يكون ذلك الحكم لأن اثبات شيء لشيء لا ينفيه عما عداه إلا أن يكون في البين ما دل على الحصر والمفيد للحصر لا يكون في المقام.
ولعل سر ذلك الحكم أن الباعث على الافعال قد يكون هو الخصوصيات وقد يكون الطبيعة، فالداعي على قتل أحد قد يكون لما فيه من الصفات مما يتنفر عنه القاتل ككونه زانيا أو سارقا أو ظالما أو مفسدا في الارض أو غير ذلك وهذا القسم الأول.
وقد يكون من باب أن حب القتل بما هو القتل يكون محبوبا لذلك القاتل إلا أن يمنعه مانع من كونه محبوبا للقاتل لكونه ولده، أو من اقاربه أو من أصدقائه وهو القسم الثاني.
والحاصل أن في القسم الاول يكون نفس القاتل غير مقتضية للقتل بل في حد نفسه يعصم عن ذلك العمل، ولكن الخصوصيات الحاصلة في المقتول من افعاله السيئة عند النوع أو السيئة عند ذلك القاتل لكونها مخالفة لغرضه صارت مقتضية للقتل وفي القسم الثاني تكون النفس مقتضية للقتل، وتحب القتل بما هو القتل إلا أن المانع يردعه عن القتل ككون المقتول محبوبا للقاتل.
فإن كان القسم الاول فقتل الواحد لا يكون كقتل الجميع، وإن كان الثاني فمن حيث الملكة الحاصلة في النفس فهو كقتل الجميع إما من باب أن الراضي كالداخل وإما من باب كون الاصل هي الملكات.
ولما أن القتل المذكور في الآية كان كذلك لكون هابيل سلما محضا وصاحبا للصفات الحسنة، فقاتله لا يكون إلا سبعا، والسبع يحب أن يغلب ويفترس ويكون له التفوق، فمن كان مثله ولم يصدر منه قتل أو موجب للفساد في الارض من الزنا والسرقة في الطرق وغيرهما، فمن يقتله عمدا لا يقتله إلا من باب السبعية والتفوق فذلك القاتل لو لم يكن له رادع من خوف أو حب وراء حب الجنسية يقتل كل احد فهو من باب الملكة أو الرضا كقاتل الجميع؛ وكذلك في طرف الاحياء فمن نجّى نفسا من الهلكة بالإطعام عند الجوع المهلك، أو الانقاذ من الغرق أو الحرق، أو الخلاص من القتل، من باب أنه انسان فكأنه احيا الناس جميعا وإن كان لما هو اخص من ذلك مثل أن نجاه لكونه مسلما فكأنه احيا جميع المسلمين وهكذا، مع أن الامر في طرف الاحياء من باب التفضل يكون اسهل، وعلى أي حال لا اشكال من طرف العقل لذلك.
﴿فَكَأَنَّما قَتَلَ اَلنّٰاسَ جَمِيعاً﴾، ليس تشبيها في الواقعية مهما كانت بعض النفوس قتلها كقتل الناس جميعا، إذ لو عني الفرض: لو لم تكن نفس إلاّ هذه لكان قتلها قتل الناس جميعا، فإنه يجري في النفس المستحقة للقتل أيضا، ولا في الحد إذ لا يمكن في القصاص، ولا يصح في الدية ولا في العقوبة إذ إن ﴿جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾[2]، بل المشابهة فقط في الشرف، فكما أن قتل مؤمن لإيمانه قتل للإيمان ككل، كذلك قتل إنسان لأنه إنسان قتل للإنسانية شرفيا كما أن تكذيب رسول لأنه رسول تكذيب للرسالات كلها، وتصديق رسول لأنه رسول تصديق للرسل كلهم، كذلك القتل والإحياء، فلا يشمل القتل إلاّ عمده القاصد دون الخطأ.
وورد عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((..قَالَ: مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلاَلٍ إِلَى هُدًى فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا وَمَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ هُدًى إِلَى ضَلاَلٍ فَقَدْ قَتَلَهَا))[3].
[1] سورة المائدة، الآية: 32.
[2] سورة الشورى، الآية: 40.
[3] الكافي، ج 2، ص 210.
تعليق