بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾[1].
الباري عز وجل يخاطب نبيه صلّى الله عليه وآله بنزول الكتاب اليه بالحق، ويحتمل أن يكون المراد بالحق هنا هو الثابت، فإن النزول اذا كان على اللوح فلا يبقى أبد الدهر كما لا يخفى، وكذلك اذا كان على السمع لا يبقى ثابتا، وأما اذا كان على القلب وفوقه فيكون ثابتا باقيا، ولما كان نزول القرآن جمعا في ليلة القدر في شهر رمضان كان على قلب النبي صلّى الله عليه وآله لقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾[2]، وكان ذلك الكتاب الثابت مصدقا لما قبله ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، أي على ما قبله من الكتاب سواء كان هو الانجيل أو التوراة أو غيرهما، والمراد بالمهيمن هو الشاهد الذى يؤمّن من الخوف من كان شاهدا له.
ولعل في هذا المطلب إيماءات الى إعلائية ذلك الكتاب، وكونه محيطا على ساير الكتب مؤمّنا للجميع من توهم خلاف الواقع فيها إذ من كان من اهل البرهان والعقل، اذا شاهد كتابا لم ينزل من الله على سبيل الاعجاز، يحتمل في حد ذاته عدم كونه صوابا، وأما اذا رأى كتابا نزوله على سبيل الاعجاز، ورأى أن ذلك فوق حد البشر، فيقطع بصدوره من الآن واذا كان ذلك الكتاب مصدقا للكتب الاخرى، يظهر له أن تلك الكتب من الله، فالمؤمّن لسائر الكتب عن احتمال عدم الصدور عند اهل البرهان والعقل هو ذلك الكتاب؛ وغير ارباب البرهان أو فوقه لا اعتناء بهم كأرباب المغالطات؛ والخطابيات؛ والشعريات؛ والمجادلات واهل الوسوسة.
ثم امر الله نبيه صلّى الله عليه وآله بالحكم بين اهل الكتاب ايضا بالحق على التعيين وعدم تخييره بين الاعراض والحكم وما كان من الامور السياسية يختلف امره بتبدل الصلاح والفساد فيتطرق النسخ اليه ونهى النبي صلّى الله عليه وآله عن اتباع اهواء اهل الكتاب والاعراض عن الحق وهو مؤكد لما ذكر؛ وانباء الله من اختلاف الشرائع فإنها المنهاج والطرق الى الله والدار الاخرة إذ يكون للوصول اليهما بالطرق المختلفة ولكن كل في وقت أو في مكان على حسب ما يقتضيه الصلاح ولو شاء الله لجعل الجميع امة واحدة والشريعة واحدة لا تنسخ أي لو علم بالصلاح فإن المشيئة هي العلم بالصلاح وهي الارادة ولها مراتب لجعل الجميع كذلك. وتوافقا لأهل البرهان أن الشرطية صادقة ولو لم يكن المقدم ثابتا، كالإخبار بالتلازم بين طلوع الشمس ووجود النهار فإنه صدق ولو كان الإخبار في الليل؛ وكذب تلك القضية في صورة عدم الملازمة، ولكن الاختلاف لأجل الابتلاء وخروج ما بالقوة في كل زمان ومكان الى الفعليات، فحصول الاختلاف لاختلاف المصالح في الازمنة والامكنة، فلما يكون الامر كذلك فكل شريعة في وقتها هو على طبق الخير والصلاح والاستباق الى الشريعة استباق الى الخير ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾[3]، لأن ﴿إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾، ويخبركم بأسرار اختلاف الشرائع، اذ بعد حصول المصالح والخيرات في صقع النفس وحضور جميع ما كتب في نفسك عندك تعلم بالأسرار من عند الله.
ثم أكد تعالى على المطلب السابق للاهتمام فقال: ﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾، وامر بتحذيرهم من القائهم الخلاف والاضلال ومخالفة طريقتك وما انزل اليك، فإن أدبروا فهو يصير سببا لوصول جزاء ذنوبهم إليهم، والظاهر أنه في الدنيا ايضا مضافا الى الاخرة.
[1] سورة المائدة، الآية: 48.
[2] سورة الشعراء، الآيتان: 193-194.
[3] سورة البقرة، الآية: 148.