بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[1].
تهديد مباشر وشديد وصارم لقوم لا كرامة لهم عند الله ولا حاجة لأنهم ارتدوا عن الدين، وبشارة للمتمسكين الصامدين على الدين أنه ﴿فسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ﴾، لهم مواصفاتهم المسرودة هنا، يستبدلهم بهؤلاء المرتدين، عزا للدين واهله.
هنا ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ﴾، تلمح صارحة صارخة أن هؤلاء الموصوفين لمّا يأت بهم الله عند ذلك الخطاب، أم ولا يأتي بهم عاجلا، ولا آجلا قريبا لمكان «سوف» المسوفة إلى بعيد من الزمن، فقد لا ينطبق «بقوم» على كثير ممن يدعى ويروى أنهم أولاء المعنيون.
وبالنظر الدقيق الحر، المتحلل عن المذهبيات، إلى المواصفات المذكورة هنا لهؤلاء، وإلى آيات أخرى كالتي تلي، نتمكن من معرفتهم، عرفانا من سماتهم بأسمائهم أم كيانهم: ﴿يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾[2]، سلبا عن أية دركة من دركات الكفر في كل حقوله وحلقاته، ثم وفي آيتنا مواصفات لهؤلاء القوم وهي:
أولا - ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْوَيُحِبُّونَهُ﴾، والذين يحبهم الله لا تخلج فيهم خالجة كفر أو فسوق لمكان الحب الطليق دون طليق الحب، فقد تقدم حبّه إياهم على حبهم إياه، مما يدل على بالغ الحب.
فقد ورد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَارُونَ اَلْعِجْلِيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يَقُولُ: ((إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ مَحْفُوظٌ لَهُ [أَصْحَابُهُ]، لَوْ ذَهَبَ اَلنَّاسُ جَمِيعاً أَتَى اَللهُ [لَهُ] بِأَصْحَابِهِ، وَهُمُ اَلَّذِينَ قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾، وَهُمُ اَلَّذِينَ قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اَللّٰهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ﴾))[3].
ذلك وفي أخرى ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾[4]. فلا نجد في سائر القرآن يجتمع الحبّان ويتقدم فيهما حب الله، اللهم إلاّ في ﴿رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[5]، ولكنهم كانوا مع النبي (صلى الله عليه وآله) حين نزلت آيتنا وقد سوّف الله الإتيان بهذا القوم الذين يحبهم ويحبونه، فهم - إذا - أفضل منهم.
أجل ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، يحبونه كما يحب أن يحبوه، وأما مع المؤمنين بالله والكافرين به فهم، ثانيا - ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ﴾، «رحماء أعزة على الكافرين» «أشداء» هم أفاضلهم الذين سوف يأتي الله بهم، مهما كان زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) منهم اشخاص، إلاّ أن «قوم» هم جماعة خاصة. وقد تكون «أذلة» هنا جمع الذّل وهو اللطافة والليونة والسماح، فهؤلاء الأكارم المحبوبون لله المحبون الله، الأذلاّء مع الله ذلا وذلا، هم ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ﴾، بالله ذلاّ وليونة.
ثالثا - ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ﴾، فهم على عزتهم في أنفسهم ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ﴾، وهنا «على» تلمح برحمة عالية للعزيز في نفسه على المؤمنين بالله خفضا لجناحه لهم وتليّنا معهم، فهم من أفاضل الذين مع الرسول (صلى الله عليه وآله) فيما يقول تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[6]، فهم ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ﴾، بالله فما في ذلهم على المؤمنين من مذلة ولا مهانة، إنما هي الأخوة الإيمانية التي ترفع الحواجز من ترفّع وتكلّف، وتخلط النفس بالنفس فلا يبقى فيها ما يستعصي ويحتجز دون الآخرين.
رابعا - ﴿يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ﴾، فحياتهم في كل حلقاتها جهاد في سبيل الله بالقال والمال والنفس والحال على أية حال، فقد كرّست حياتهم ذلك الجهاد ومهّدت حياتهم ذلك المهاد.
خامسا - ﴿لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾، ولا قومة قائم ضدهم، ولا أية دوائر تتربص بهم، إنما يخافون الله ليس إلاّ إياه.
[1] سورة المائدة، الآية: 54.
[2] سورة الأنعام، الآية: 89.
[3] الغيبة للنعماني، ج 1، ص 316.
[4] سورة آل عمران، الآية: 31.
[5] سورة التوبة، الآية: 100.
[6] سورة الفتح، الآية: 29.