تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[1].
قوله تعالى: ﴿عَبَدَ اَلطّٰاغُوتَ﴾، معطوفة على ﴿مَنْ لَعَنَهُ اَللّٰهُ﴾، بفاصل - ﴿وَجَعَلَ..﴾، - أم معطوفة بدون فاصل على ﴿وَجَعَلَ..﴾، أي جعل منهم من عبد الطاغوت كما جعل منهم القردة والخنازير. ولا يرد على الثاني أنه يقتضي كون عبادة الطاغوت من جعل اللّٰه حيث يعني الإذن تكوينيا بما اختاروا عبادة الطاغوت، لا تسييرا عليها ولا تشريعا لها، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾[2]، والكل من باب ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾[3]. ثم المعنى الأوّل وهو أسلم منه، لا يرد عليه ذلك الفصل فإن «غضب عليه - إلى - والخنازير» مواصفة ل ﴿مَنْ لَعَنَهُ اَللّٰهُ﴾، ثم ﴿وعَبَدَ اَلطّٰاغُوتَ﴾، معطوفة على ﴿مَنْ لَعَنَهُ اَللّٰهُ﴾، وقد يعني العطف كليهما عناية لهما وهو أجمع وأجمل دلالة ومدلولا.
ذلك، فمن ﴿لَعَنَهُ اَللّٰهُ وغَضِبَ عَلَيْهِ﴾، جماعة من اليهود حيث تغلّب عليهم غضب اللّٰه مهما شمل غيرهم كما في آيات.
وأما من جعل منهم قردة فهم المتخلفون من أصحاب السبت ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾[4].
وقد يرجح من جعل منهم خنازير أنهم من النصارى وكما هدّدهم اللّٰه تعالى في إجابة دعاء المائدة: ﴿قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾[5]، ولا يحمل ذلك الجعل إلاّ هذه الآية، فحيث المقام هو مقام التنديد بكفرة أهل الكتاب فليكن للنصارى نصيب كما لليهود، أم إنهم كالقردة من اليهود و ﴿عَبَدَ اَلطّٰاغُوتَ﴾، من النصارى، أم كل هذه منقسمة على كل من هو شر مكانا وأضل عن سواء السبيل من جمع أهل الكتاب، اللهمّ إلاّ القردة الخاصة باليهود حسب النص و «من عبد الطاغوت» هم كل هؤلاء الذين استسلموا للطواغيت حيث ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾[6]، وهل إن كل القردة والخنازير هي من أنسال هؤلاء الذين جعلهم اللّٰه قردة وخنازير؟ كلاّ، فقد خلقت القردة والخنازير قبل هؤلاء وتستمر، و «إن الله لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وإن القردة والخنازير قبل ذلك»، «ولكن ذا خلق فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم».
وهذه قضية العدالة الربانية أن يعذب من يستحقه أن يجعل قردا أو خنزيرا دون نسله حيث ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[7]، ومن جعل قردا أو خنزيرا إنما يجعل جسمه مثلهما دون روحه حتى يتحقق العذاب بما يشعر أنه إنسان بصورة قرد أو خنزير.
﴿أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً﴾، منكم، أو ومنا لو كنا من الأشرار «وأضل» منا ومنكم ﴿عَنْ سَواءِ اَلسَّبِيلِ﴾، فيا اخوان القردة والخنازير الذين لعنهم اللّٰه وغضب عليهم وعبدوا الطاغوت هل نحن المسلمين المؤمنين باللّٰه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل شر مكانا أم أنتم؟ ذلك وليست النقمة اليهودية والنصرانية من المسلمين تقف لحد، بل انها في شدّ ومدّ ما شد الإسلام ومدّ، فهم يحاربون المسلمين هذه الحرب الشعواء العشواء التي لم تضع أوزارها قط ولن، منذ أن قام للمسلمين كون وكيان في المدينة وتميزت لهم شخصية.
فهم يشنّون عليهم مختلف الحروب الباردة الدعائية والحارة الحارقة لا لشيء إلاّ لأنهم مسلمون للّٰه مستسلمون، ولا تطفأ هذه النار عنهم إلاّ أن يرتدوا عن دينهم فيتبعونهم رغم ظاهر إسلامهم البعيد عن الحقيقة والحيوية ف ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[8].
[1] سورة المائدة، الآية: 60.
[2] سورة الزخرف، الآية: 36.
[3] سورة الصف، الآية: 5.
[4] سورة الأعراف، الآية: 166.
[5] سورة المائدة، الآية: 115.
[6] سورة التوبة، الآية: 31.
[7] سورة فاطر، الآية: 18.
[8] سورة البقرة، الآية: 120.