تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[1].
﴿يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾، أي: مقبوضة عن العطاء، ممسكة عن الرزق. يعني: هو ممسك يقتر الرزق. وغلّ اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود، وقدرته عز وجل طليقة، فهذه اليد المغلولة تعني تحديدها عن طلاقتها، مغلولة بما غلّها هو نفسه بخلا، أم بما غلّها غيره سلطة عليه، أم بما كانت مغلولة منذ الأزل قصورا ذاتيا! والجمع هو ثالوث الغل، في تكوين وتقدير وتشريع، فقد كانوا يحيلون النسخ على اللّٰه وهذا غل ليده في التشريع. وذلك الثالوث تشمله ﴿يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾، مهما تشعبت الآراء المعلولة المغلولة فيما بينها.
وقد ذُكر أن اليهود لما ضاق عليهم الامر من حيث المال بعد كفرهم بالنبي(صلى الله عليه وآله) مع كونهم ذوي ثروة ومال قبل ذلك سخطوا على الله وتكلموا بتلك الكلمة وعلى أي حال فالمراد بناء على ذلك أن الله بخل علينا وامسك من الجود علينا، فكأن يده وما به يعطي في الغل ولا يمكن له الانفاق، فأجابهم الله بأنهم بسوء اعمالهم جعلت اياديهم مغلولة، إذ الانفاق بعد الوجدان، وبعد ضيق المعاش لا وجدان، فلا انفاق فاليد مغلولة، وأما الله فيداه مبسوطتان وبالقدرة التامة يجود على الخلائق ويفيض عليهم، إذ نسبة اليهود الى جميع الناس نسبة القطرة الى البحر، وكذلك نسبة الانسان الى مطلق الحيوان، ومطلق الحيوان الملكي بالنسبة الى الملكوت كذلك، وهكذا من العوالم الأخر بل من تكلم بهذا الكلام، لو تعقل يرى أن في كل آن لا بد من وصول فيض الله اليه من جهات متعددة من الافاضة على كل واحد واحد من القوى والاعضاء ولكن انفاقه على حسب ما يراه من الصلاح للخلائق.
فقد ورد عَنِ اَلْمَشْرِقِيِّ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ فَقُلْتُ لَهُ يَدَانِ هَكَذَا وَأَشَرْتُ بِيَدِي إِلَى يَدَيْهِ فَقَالَ لاَ لَوْ كَانَ هَكَذَا لَكَانَ مَخْلُوقاً))[2].
ثم ذكر الله أن كثيرا منهم لحسدهم يصير ما انزل اليك يا محمد (صلى الله عليه وآله) سببا لازدياد كفرهم وطغيانهم على الله، وبسبب سوء سرائرهم واختيارهم تبعية الغضبية حتى بالنسبة الى أنفسهم ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، وبسبب أدبارهم الى الحق يكونون في جميع الاوقات بصدد ايقاد نار الحرب للنبي (صلّى الله عليه وآله) واتباعه، ببعثهم الاعراب والقبائل والمشركين من مكة على الثبات في الحرب.
وأن النصر معهم ولكنهم ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله﴾، وكانت الغلبة للمسلمين. وازداد للمسلمين شأنهم، وهم الذين يسعون في الارض فسادا والله لا يحبهم.
وورد عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي قَوْلِهِ: ((كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اَللّٰهُ كُلَّمَا أَرَادَ جَبَّارٌ مِنَ اَلْجَبَابِرَةِ هَلْكَةَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ قَصَمَهُ اَللهُ))[3].
ولو كان المراد من قولهم هذا أن لازم قولهم: بأن الله فرغ من الامر في السبت، وكان يوم الراحة له؛ أن يد الله مغلولة؛ فالمراد أن تلك الكلمة كلمة ناشئة من الجهل، فإن الممكنات تفتقر الى الله في البقاء كافتقارها اليه في الحدوث وفي كل آن ومرتبة تصل رحمة الله الواسعة على الكل؛ فدعوى الفراغ والراحة تكون من الاغلاط بل يد انسانيتهم من درك الامور العالية مغلولة ولا يفهمون شيئا.
﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾، دعاء عليهم بالبخل والنكد، أو بالفقر والمسكنة، ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغلّ الأيدي حقيقة، يغلّون في الدنيا أسارى، وفي الآخرة في النار، فتكون المطابقة من حيث اللفظ والأصل، ويجوز أن يكون إخبارا بأنّهم ألزموا البخل وجعلوا بخلاء.
[1] سورة المائدة، الآية: 64.
[2] التوحيد، ج 1، ص 168.
[3] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 650.