بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[1].
﴿الصَّابِئُونَ﴾، أي الّذين صبت ومالت قلوبهم إلى الجهل والخروج من الدين قيل: هم صنف من النصارى يقال لهم الصائحون يحلقون أوساط رؤوسهم وقيل: هم الّذين يعبدون الكواكب.
وقد وقع الخلاف بين علماء التفسير في دين الصابئة وعقائدهم اختلافاً شديداً، بين تكفيرهم والحكم بوثنيتهم، وبين كونهم موحدين.
يعتقد الصابئة أن أول كتاب مقدس سماوي نزل على آدم، وبعده على نوح، ثم على سام، ثم على رام، ثم على إبراهيم الخليل، ثم على موسى، وأخيرا على يحيى بن زكريا.
أما كتبهم فهي:
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره: [الأول - (كيزاربا) ويسمى أيضا (سدره) أو (صحف) آدم، وفيه آراء حول كيفية بدء الخلق.
الثاني - كتاب (أدر أفشادهي) أو (سدرادهي) ويتحدث عن يحيى وتعاليمه ويعتقد الصابئة أنه موحى إلى يحيى عن طريق جبرائيل.
الثالث - كتاب(قلستا) وفيه تعاليم الزواج والزوجية، وهذا إلى جانب كتب كثيرة أخرى يطول ذكرها.
يبدو مما سبق أن هؤلاء أتباع يحيى بن زكريا، الذي يسميه المسيحيون يحيى المعمد، أو يوحنا المعمد.
صاحب كتاب (بلوغ الإرب) له رأي آخر بشأن الصابئة، يقول: هم من يعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلا بنوء من الأنواء ويقول مطرنا بنوء كذا][2].
فالصابئة على قسمين:
الأول: الصابئة الحرّانيّين، وهم من الوثنيّة.
الثاني: الصابئة المندائيّين، ويدينون بنبوة كل من آدم وشيث ونوح وسام وإدريس وإبراهيم ويحيى بن زكريا (عليهم السلام)، وليس كما قد يتوهم أن نبيهم يحيى بن زكريا (عليهما السلام). وقد جاء هذا الوهم من تعظيم الصابئين للنبي يحيى واعتباره نبياً لهم، أنقذهم من ضلال اليهودية، وقام بالمعمودية.
وقد أشار السيد الخوئي (قده) [بأنه قد ورد ذكر الصابئين في آيات ثلاث من القرآن الكريم، الآية أعلاه وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[3]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[4]، والذي يقتضيه التأمل في سياق الآيات الكريمة التي تلوناها عليك، والتدبر في مداليلها هو الحكم بكون الصابئة من أهل الكتاب، حالهم في ذلك حال اليهود والنصارى والمجوس، فإنهم قرنوا في الآيتين الأولى والثانية بأهل الكتاب، وجعلوا في عداد الذين لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون إذا ما أخلصوا في دينهم وعملوا بما يفرضه عليهم الواجب الشرعي في ذلك الظرف، فإن ذلك يدلّ وبوضوح على كونهم من أهل الكتاب وأصحاب الرسالات السماوية، خصوصاً أنهم واليهود والنصارى والمجوس جعلوا في قبال الذين أشركوا في الآية الثالثة][5].
وظاهر الإعراب يقتضي أن يقال: والصابئين.
وقال سيبويه في سبب رفع ﴿الصَّابِئُونَ﴾: ارتفع الصابئون بالابتداء وهو محذوف الخبر وهو في التقدير: والصابئون كذلك، ولم يعطفوا على ما قبله لفائدة في الكلام كانّه قيل: إنّ الّذين آمنوا اتّفاقا والّذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك.
والفائدة في عدم العطف أنّ الصابئين أشدّ الفرق المذكورين في هذه الآية ضلالا فكأنّه قيل: كلّ هؤلاء إن آمنوا بالعمل الصالح حقيقة قبل الله توبتهم وأزال ذنبهم حتّى الصابئين فإنّهم إن آمنوا كذلك لا خوف عليهم؛ والخوف يتعلّق بالمستقبل والحزن يتعلّق بالماضي، فلا خوف عليهم بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة ولا هم يحزنون بسبب ما فاتهم من طيّبات الدنيا لأنّهم وجدوا أعظم منها وأطيب.
[1] سورة المائدة، الآية: 69.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 256.
[3] سورة البقرة، الآية: 62.
[4] سورة الحج، الآية: 17.
[5] قبس من تفسير القرآن، ص 203.