بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾[1].
تصوير مع بيان من رب العزة لرسوله ولخلقه المؤمنين حول من يحيط بهم من الناس للتمييز بينهم، حين قال المسيح ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[2]. فهم أولاء الذين ﴿قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾، من الحواريين الصادقين في إيمانهم ومن تبعهم بإحسان، وهم الموحدون القلة بين المثلثين الكثرة، مؤمنين برسالة عيسى كما يصح، ومن أهم قضاياه البشارة بالرسالة المحمدية صلوات الله عليهما.
فالإيمان الكتابي الصادق مصدّق بالإيمان القرآني اللاّحق وهو بارز في جمع من النصارى،
ثم و ﴿بِأَنَّ مِنْهُمْ..﴾، علل ثلاث لكونهم ككلّ، وبطبيعة الحال الكتابية السليمة، هم أقرب مودة للذين آمنوا. فمهما كان بين اليهود أحبار كما بين النصارى قسيسون ورهبان، ولكن أين أحبار من اليهود وأين قسيسون ورهبان من النصارى، فظاهرة الاستكبار في أحبار اليهود، وظاهرة عدم الاستكبار في القسيسين والرهبان، هما ظاهرتان متناحرتان تجعلان اليهود والنصارى ككل متناحرين في حقل المودة للذين آمنوا. ذلك، لأن الحياة السعيدة قائمة بالعلم والتواضع أمام الحق، والقيادة العلمية المتواضعة بين الذين قالوا إنا نصارى تجعل من شعوبهم عارفين الحق، والتواضع البارز فيهم يجعل منهم غير متصلبين أمام الحق، وليس لليهود طول تاريخهم إلاّ القليل هذه القيادة السليمة.
وأما المشركون فهم يفقدون أصل القيادة الصالحة إلى قيادة شركية طالحة بحتة كالحة، وأنحس منهم اليهود المعادين للذين آمنوا كما المشركين أو أكثر منهم، وهم أهل كتاب وبينهم قيادات روحية توراتية! ذلك، وأما العداء العارم الذي يحمله المبشرون المسيحيون ضد الإسلام، بدعايات وكتابات ومحاولات مضللة أخرى ضد الإسلام، في حين لا نجد لليهود هكذا دعايات؟ نقول هم ليسوا من النصارى مهما ﴿قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾، حيث لم يفوا لرعاية الحق في المسيح (عليه السلام) فهم خارجون عمن يصفهم اللّٰه تعالى بتلك المودة الايمانية.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ﴾، أي بسبب أنّ منهم ﴿قِسِّيسِينَ﴾، وهم علماء النصارى وعبّادهم؛ والقسّيس: صيغة مبالغة من تقسّس الشيء إذا تتبّعه وطلبه باللّيل، سمّوا به لمبالغتهم في تتبّع العلم.
والقسّيس هو معرب كشيش، عالم النصارى، والرهبان هم المتعبدون الزاهدون علماء وسواهم، فالعلم والزهادة في القيادة هما المؤثران الرئيسيان في صلاح الشعوب، إضافة إلى عدم الاستكبار في تلك القيادة، والتنكير لإفادة الكثرة، ولا بدّ من اعتبارها في القسّيسين، إذ هي الّتي تدلّ على مودّة جنس النصارى للمؤمنين، فإنّ اتّصاف أفراد كثيرة بالخصلة المعيّنة مظنّة الجنسيّة.
فيريد بهؤلاء: النّجاشيّ والّذين آمنوا معه بمحمّد صلّى الله عليه وآله وصدّقوه فيما جاء به. وذلك حيث نفذ النّبيّ صلّى الله عليه وآله إليهم ابن عمّه؛ جعفر الطّيار، وجملة من أصحابه يدعو النّجاشيّ وأصحابه إلى الإسلام والطّاعة، فأسلم هو وأصحابه.
حيث قيل: كان جعفر يوم وصل المدينة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وصل في سبعين رجلا عليهم ثياب صوف، منهم اثنان وستّون رجلا من الحبشة، وثمانية من أهل الشّام منهم بحيرا الرّاهب، فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله عليهم سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن، فآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى. فأنزل الله هذه الآية.
وأهدى للنّبيّ عليه السّلام هدايا حسنة، وكان في جملتها الحربة الّتي كان النّبيّ عليه السّلام ينحر بها في عيد الأضحى، وقصّتهم مشهورة بين أهل التّواريخ والأحاديث.
وورد عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ذَكَرَ اَلنَّصَارَى وَعَدَاوَتَهُمْ فَقَالَ: ((قَوْلُ اَللهِ ﴿ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ﴾، ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾، قَالَ: أُولَئِكَ كَانُوا قَوْماً بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، يَنْتَظِرُونَ مَجِيءَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ))[3].
[1] سورة المائدة، الآية: 82.
[2] سورة آل عمران، الآية: 52.
[3] تفسير العياشي، ج 1، ص 335.