بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ﴾[1].
﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ﴾، سافرتم فيها ﴿فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ اَلْمَوْتِ﴾، أي قاربتم الأجل، والفاء للعطف على ضربتم، والخبر محذوف من جنس قوله، ﴿أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾، وهو شرط للانتقال من شهادة العدلين من المسلمين إلى شهادة غيرهما، فكأنه قال شهادة غيرهما تسمع إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم الموت ولا شاهد من المسلمين معكم.
وبالجملة يجوز شهادة الغير مع الضرورة وفقد عدول المسلمين لا مع الاختيار.
﴿تَحْبِسُونَهُما﴾، تمنعونهما وتصبرونهما، وهو صفة آخران، ولعل توسط الشرط بين الصفة والموصوف للإشارة إلى أن سماع شهادة الغير مشروط بالتعذر كما أشرنا اليه.
ويجوز ان يكون للاستئناف، كأنه قيل كيف نعمل إن ارتبنا بالشاهدين فقال تحبسونهما.
﴿مِنْ بَعْدِ اَلصَّلاةِ﴾، بالنسبة لغير المسلمين يقصد بها صلاتهم التي يتوجهون فيها إلى الله ويخشونه، وذكرت رواياتنا أنها صلاة العصر ولعله يعود إلى جانبه الاستحبابي، إذ أن الناس يشتركون أكثر في صلاة العصر، وكان هو الوقت المألوف للتحكيم والقضاء بين المسلمين.
﴿فَيُقْسِمانِ بِاللّٰهِ إِنِ اِرْتَبْتُمْ﴾، إن ارتاب الوارث منكم في شأنهما أو اتهمهما، ويجوز أن يكون الخطاب للحكام، والشرط اعتراض بين القسم والمقسم عليه وهو ﴿لا نَشْتَرِي بِهِ﴾، لا نستبدل بالله أو بالقسم به أو بالشهادة فإنها بمعنى الاشهاد، ولعل فائدة الشرط التنبيه على أن القسم إنما هو مع الارتياب لا مطلقا.
﴿ثَمَناً﴾، عرضا «قليلا» من الدنيا كما هو مفاد التنكير أي لا نحلف بالله كاذبين لطمع الدنيا ﴿ولَوْ كانَ﴾، المشهود له ﴿ذا قُرْبى﴾، وجوابه محذوف أي لا نشتري، أو إنها غنية عن الجواب لكونها وصلية، وتخصيصه بالذكر لميل الناس إلى أقاربهم ومن يناسبونهم، أو المراد أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم ابدا، فكأنهم داخلون في قوله: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّٰهِ ولَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ اَلْوالِدَيْنِ واَلْأَقْرَبِينَ﴾[2].
﴿ولا نَكْتُمُ شَهادَةَ اَللّٰهِ﴾، أي الشهادة التي أمرنا الله بإقامتها، وهو عطف على المحلوف عليه، ثم ابتدأ الله بالمدّ على طرح حرف القسم وتعويضه بحرف الاستفهام، وقد ينقل عنه بغير مد على حذف حرف القسم من غير تعويض كقوله «الله لأفعلنّ».
﴿إِنّٰا إِذاً لَمِنَ اَلْآثِمِينَ﴾، أي إن كتمناها، والظاهر أنهم يذكرون في قسمهم جميع ما ذكر.
تنبيهات من الآية: -
أولا: مقتضى الآية جواز إشهاد أهل الذمة في الوصية عند الضرورة وفقد عدول المسلمين، لظهور أن الخطاب في ﴿مِنْكُمْ﴾، عائد إلى المؤمنين، فيلزم ان يكون غيرهم كافرين، وعلى هذا أصحابنا اجمع، عَنْ هِشَامِ بْنِ اَلْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((فِي قَوْلِ اَللهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾، قَالَ: إِذَا كَانَ اَلرَّجُلُ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ لاَ يُوجَدُ فِيهَا مُسْلِمٌ جَازَتْ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ عَلَى اَلْوَصِيَّةِ))[3].
ثانيا: قد يظهر من الآية اشتراط السفر في شهادة الذميين، ولكن الأكثر من الأصحاب على عدم اعتبار السفر، قالوا: والتقييد في الآية والاخبار من حيث انه خرج مخرج الأغلب لا من حيث أنه شرط. عَنْ ضُرَيْسٍ اَلْكُنَاسِيِّ قَالَ: ((سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ اَلْمِلَلِ هَلْ تَجُوزُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ فَقَالَ: لاَ إِلاَّ أَنْ لاَ يُوجَدَ فِي تِلْكَ اَلْحَالِ غَيْرُهُمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي اَلْوَصِيَّةِ))[4].
ثالثا: الحكم المذكور في الآية مختص بوصية المال، فلا تثبت الوصية بالولاية المعبر عنها بالوصاية.
رابعا: قد ظهر مما أسلفناه أن الاثنين من أهل الذمة كانا شاهدين وقد استحلفا، وان تحليفهما مع التهمة سائغ لمكان هذا النص.
[1] سورة المائدة، الآية: 106.
[2] سورة النساء، الآية: 135.
[3] الكافي، ج 7، ص 398.
[4] ن، م، ج 7، ص 399.