فمن ناحية، يصف القرآن الكريم النفسَ والإنسان بـ "الوقود"، ومن ناحية أخرى يصفهما بـ "الماء الطهور"
لأنّه يعتبر التوبة التي هي من الأوصاف الإنسانيّة النفسيّة ماءً طهوراً، وذلك باعتبار تطهيرها له، فالنظر إلى غير المحارم والكذب و... وقودٌ للنار وبركان، وفي المقابل فإنّ غضّ البصر والعفّة والصدق والصلاة بمثابة الإطفائي
فإذا قام الإنسان بإطلالة على صفحة قلبه، فإنّه سيرى باستمرار في جانب بركاناً وانفجاراً، وفي جانب آخر ماءً وإطفائيّاً.
فالمراد من تلك الروايات التي جاء فيها أنّه إذا أخلص الإنسان لربّه أربعين يوماً، تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسان (أو قلمه) أنّ أربعين عيناً مطفِئة للّهيب ستتفجّر منه، فتبدّل جميع مشاهد الانفجارات والبراكين إلى حدائق وبساتين
ليصير في الأخير: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)} (الواقعة)، و"روضة من رياض الجنّة"، أي جنّة متحرّكة لا نار فيها، مثلما أنّه لا توجد في الجنّة أيّة نار، ولا توجد في جهنّم أيّ ماء، لأنّ أشجار جهنّم تنمو بواسطة النار: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (الصافات)
فلا يوجد في الشهوة ولا الغضب أيّ مكان للماء، بل هما بجميع أرجائهما بركان، مثلما أنّ الطبع الملائكي لا نار فيه أبداً، وكلّه ماء مُخمِد
حيث إنّ الإنسان يرى في نفسه كلّ هذه الأحوال، فمن باب المثال، حينما يشعر بالندم، يصير بارداً ومعتدلاً، وعندما ينتابه الغضب أو تتحرّك فيه الشهوة، فإنّه يُصبح كبؤرة انفجار أو فوهة بركان.
إنّ الإنسان العاقل لا يسعى إلى إلقاء ياقوتة الروح النفسية في أتون النار، بل إلى تفجير تلك العيون، ومن هنا، علينا التنقيب عن هذه الينابيع، لكي يتفجّر منها الماء، فنطفئ بها ذلك الوقود.
--------------------------
المصدر: كتاب "مبادئ الأخلاق في القرآن" للشيخ جوادي آملي
تعليق