بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾[1].
من طبيعة من توسم بالشهامة وتجمل بالذكاء عند حصول غرض مهم لديه له قيمة ووزن يودّ بكل جهده أن يحقّقه في الخارج ويثقل عليه كثيرا وكثيرا الاّ يتحقق كما يهوى ويريد تحقيقه في الخارج فتارة يكون بنزاهة وايمان بالمقدسات واخرى يكون قاصدا لا يوقفه شيء وبكل صورة وإن كانت غير مشروعة كما قيل أن الغاية تبرر الواسطة ولا شك أن التحقيق بالصورة الأولى مجهد جدّا بخلافه بالصورة الثانية فأنه اقلّ وطأة ولم يسلك الطريق الأوّل الاّ الأنبياء والمثاليون العظام ومن جملة أولئك نبي الإسلام بعد أن حوّل في عاتقه اكتساح الشرك وتحقيق المبدئية وهذا ما عناه تعالى بقوله: ﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾، عن دعوتك وتود أن تعطفهم إليها وتجمعهم عليها ﴿فَإِنِ اِسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ﴾، سربا في الأرض وهو غير مقدور لك أو تبتغى سلّما يصعدك الى السماء وهو مثل سابقه لا تستطيع فعله انّما تفعل ذلك لغرض أن تأتيهم بآية تقنعهم حتى يجتمعوا عليك بسببها فاعلم أنك حتّى لو يسّر لك ذلك لما اتصلت بهدفك الذي تحاول لأن القوم يسوقهم عنك تمردهم على ما لا يهوون، لا عجزنا عن الإتيان بآيات بيّنات فإننا قد آتيناك من الآيات ما فيه بلغة للمتدبر نعم لو شاء الله بالقسر والالجاء حملهم على الايمان لجمعهم عليه ولكن ذلك يسقط عالم التكاليف والأعراض بحق فإنه لا مثوبة كما لا عقوبة مع الجبر والتسخير فلا تكوننّ من الجاهلين بحقيقتهم.
واعلم إنّما يستجيب لدعوة الحقّ من يصغي الى ندائه فيتأثر به كما يقال عن مالك بن دينار البصري غلام الإمام الصادق عليه السلام وكان في فترة سابقة منحرفاً ومنهمكاً في المعاصي ويحتسي الخمر وذات يوم اشترى جارية ورزق منها طفلة، بنت كبرت، ازداد تعلقه بها كأن الله اودع الاباء فطرياً حباً خاصاً للبنات فلا يقوى على فراقها لحظة واحدة حتى حين يصب الخمرة فكانت تريقها، ثم اكملت الطفلة سنتين من عمرها فمرضت وماتت فاحزنه موتها بدرجة لا يستطيع وصفها، طول الليالي يعيش ذكريات هذه الطفلة وينتحب ويبكي، ذات ليلة وكانت ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة جمعة، كان ثملاً فنام في حالة سكر واذا في المنام رأى القيامة قامت والناس حشروا للحساب وهم في فزع وخوف وهلع فجأة سمع صراخاً من خلفه، اصوات مرعبة مال بوجهه الى الوراء ولا معين فهتف هاتف يقول: هناك الجأ فإن فيه ودائع المسلمين ولعل وديعة هناك تنفعك فقال لا ادري ما هي الوديعة، فتسلق ذلك المرتفع واذا حجاب ساتر، سمع منادياً يرفع الحجاب عنه واذا روضة وحدائق غناء ورأى اطفالاً صغارا، كل طفل وجهه كوجه البدر ليلة واذا طفلة من بين الاطفال صاحت اليكم عنه فأنه ابي التفت واذا هذه بنته التي ماتت، فاعتنقها باكياً ووضعها في حجره واذا بها تنظر اليه ووضعت وجهها في وجهه وهي تقرأ هذه الآية: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اَللّٰهِ﴾[2]، فقلبته رأسا على عقب ففاق من نومه وترك فعل المعاصي وتاب الله توبة نصوحة انقطع بعدها الى العبادة.
وأمّا العازبون عنه فأنهم بحكم الموتى والميّت متى أراد الله بعثه يبعثه وذلك خارج عن عالم التكليف المقرون بالاختيار ثم الى الله يرجع كل من المستمع الحىّ والعازب الميّت فيجزى كلاّ وما يستحق.
وقالوا في مقام التفنيد لهم على الاعراض عن نبي الإسلام نحن مستعدون لاتباعه لكن هلاّ أنزلت آية كما نريد قل إن الله قادر على أن ينزّل آية كما ترغبون لكن نزول الآيات يجب أن يكون عن حكمة واهداف عالية لا عن رغبات منحطة فإن الاجابة على الرغبة الساقطة يعدّ جهلا من فاعلها.
[1] سورة الأنعام، الآية: 35.
[2] سورة الحديد، الآية، 16.