إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تأملات قرانية مستفادة من أقوال المفسرين والبلاغيين واللغويين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تأملات قرانية مستفادة من أقوال المفسرين والبلاغيين واللغويين

    تأملات قرانية مستفادة من أقوال المفسرين والبلاغيين واللغويين

    {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
    الفروقات الجمالية بين قول الله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وقول العرب : ( القتل أنفى للقتل ) ونحوها من العبارات.
    1ـ ومن فضل بيان الآية : أنها جعلت سبب الحياة القصاص ، وهو القتل عقوبة على وجه التماثل ؛ أما العبارة العربية ، فقد جعلت سبب الحياة القتل ، ومن القتل ما يكون ظُلْمًا ، فيكون سببًا للفناء لا للحياة .
    وتصحيح هذه العبارة أَنْ يقال : القتل قصاصًا أنفى للقتل ظلمًا .

    فالقاعدة القرآنية ذكرت "الْقِصَاصَ" ولم تقل القتل، فشملت كلَّ ما تُقَابَلُ به الجناية على الأنفس فما دون الأنفس من عقوبة مُمَاثلة، وحدّدَتِ الأمر بأنْ يكون عقوبة وجزاء لخطأ سابق، لا مجرد عدوان، وهذا عين العدل.أمّا عبارة العرب فقد ذكرت القتل فقط، ولم تقيّده بأن يكون عقوبة، ولم تُشِرْ إلى مبدأ العدل، فهي قاصرة وناقصة.

    2
    ـ أن لفظ القرآن (ولكم في القصاص حياة) مختصر أكثر من الكل لأن قوله {ولكم} لا يدخل في هذا الباب لأنه لا بد من تقدير ذلك في الكل لأن قول القائل قتل البعض إحياء للجميع لا بد فيه من تقدير مثله وكذلك في قولهم القتل أنفى للقتل , وبذلك فإن عبارة القرآن (القصاص حياة) عشرة أحرف، وأما (القتل أنفي للقتل) فأربعة عشر حرفاً و (أكثروا القتل ليقل القتل) عشرون حرفاً.
    القاعدة القرآنية صريحة في دلالتها على معانيها، مستغنية بكلماتها عن تقدير محذوفات، بخلاف عبارة "العرب" فهي تحتاج إلى عدّة تقديراتٍ حتى يَستقيم معناها، إذْ لا بُدَّ فيها من ثلاثة تقديرات، وهي كما يلي: "القتلُ" قصَاصاً "أنْفَى من تركه "لِلقَتْلِ" عمْداً وعدواناً.

    3
    ـ القاعدة القرآنية خالية من عيب التكرار، بخلاف المثل العربي الذي تكررت فيه كلمة القتل مرتين في جملة قصيرة.فلفظ القرآن فهي بعيدة عن الكلفة والتكلف بالتكرير دون فائدة وشاق على النفس والنطق

    4ـ أن قولهم القتل أنفى للقتل ظاهرة يقتضي كون الشيء سبباً لانتفاء نفسه بخلاف لفظ القرآن فإنه يقتضي أن نوعاً من القتل وهو القصاص سبب لنوع من أنواع الحياة.

    5
    ـ أن قولهم لا يفيد إلا الردع عن القتل، بخلاف لفظ القرآن فإنه يفيد الردع عن القتل والجرح فهو أفيد

    6ـ أن قولهم الأجود دال على ما هو المطلوب بالتبع بخلاف لفظ القرآن فإنه دال على ما هو مقصود أصلي، لأن نفي القتل مطلوب تبعاً من حيث أنه يتضمن حصول الحياة الذي هو مطلوب أصالة.

    7
    ـ الدلالة على العدل فأن القتل ظلماً أيضاً قتل مع أنه ليس بناف للقتل بخلاف القصاص فهو ناتج عن جزاء لجريمة تم ارتكابها فدل على العدل والإنصاف, فظاهر قولهم باطل وأما لفظ القرآن فصحيح ظاهراً وباطناً.

    8
    ـ الترغيب والترهيب استخدام كلمة الحياة فيها ترغيب وراحة وتشويق فناسب استخدامها في العبارة بعد الترهيب بالقصاص الذي يوحي للنفس بالخوف والاشمئزاز مما يردع القاتل عن القتل "الحياة أعز شيء على الإنسان في الجبلة، فلا تعادل عقوبة القتل في الردع والانزجار، ومن حكمة ذلك: تطمين أولياء القتلى بأن القضاء ينتقم لهم ممن اعتدى على قتيلهم، قال تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}[الإسراء:33] أي: لئلا يتصدى أولياء القتيل للانتقام من قاتل مولاهم بأنفسهم؛ لأن ذلك يفضي إلى صورة الحرب بين رهطين فيكثر فيه إتلاف الأنفس"

    9
    ـ - حسن لفظ القرآن بتأليف الحروف المتلائمة، وهو مدرك بالحس، وموجود في اللفظ، فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة، لبعد الهمزة من اللام، وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام

    10 ـ مع تنكير كلمة (حياة) في هذه القاعدة القرآنية {ولكم في القصاص حياة}.فهذا التنكير "للتعظيم، أي: في القصاص حياة لنفوسكم؛ فإن فيه ارتداعُ الناس عن قتل النفوس، فلو أهمل حكم القصاص لما ارتدع الناس؛ لأن أشد ما تتوقاه نفوس البشر من الحوادث هو الموت، فلو علم القاتل أنه يسلم من الموت لأقدم على القتل مستخفاً بالعقوبات كما قال سعد بن ناشب لما أصاب دماً وهربَ فعاقبه أمير البصرة بهدم داره بها:
    سأغسلُ عني العار بالسيف جالباً *** عليَّ قضاء الله ما كان جالبا
    وأذهل عن داري، وأجعل هدمها *** لعرضيَ من باقي المذمة حاجبا
    ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت *** يميني بإدراكك الذي كنت طالبا
    ولو ترك الأمر للأخذ بالثأر ـ كما كان عليه في الجاهلية ـ لأفرطوا في القتل وتسلسل الأمر كما تقدم، فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة من الجانبين").

    أي: بقاء عظيم، بخلاف تنكير كلمة حياة في قوله: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96]، فالمقصود بذلك حتى لو كانت أخس حياة، وهذا من صفة اليهود لعنهم الله، (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) أي حياة حتى لو كانت حياة ذليلة فهم حريصون عليها، أما قوله هنا: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) يعني: بقاء عظيم. يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] يعني: يا ذوي العقول؛ لأن القاتل إذا علم أنه يقتل ارتدع، فأحيا نفسه وأحيا من أراد قتله، فشرع القصاص (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) أي: تتقون القتل لمخافة القود؛ لأن هذا فيه زجر لكم من تجاسر بعضكم على إراقة دم بعض. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي: تتقون أن تقتلوا إذا قتلتم، أو يقتص منكم إذا اعتديتم على أرواح غيركم.

    11
    ـ في القاعدة القرآنية سَلاَسة، لاشتمالها على حروف متلائمة سهلة التتابع في النطق، أمّا العبارة "العرب" ففيها تكرير حرف القاف المتحرِّك بين ساكنين، وفي هذا ثقل على الناطق

    12ـ في الآية طباقاً؛ لأن القصاص عكس الحياة، بخلاف المثل، فإن العرب قالوا: القتل أنفى للقتل، فهنا تشابه واضح، بخلاف الطباق بين القصاص والحياة، وهذا من أنواع البديع.

    13
    ـ الآية اشتملت على فن بديع، وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلاً ومكاناً لضده الذي هو الحياة، وهذا من أروع ما يكون؛ لأن أحد الضدين الذي هو الفناء والموت جعله محلاً ومكاناً لضد الموت وهو الحياة، واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة، نقله في الكشاف، وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة، (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ )) كأن القصاص هو الذي تنبع منه الحياة، فهو بلا شك أروع ما يكون من البلاغة ومن البديع، فجعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال كلمة في: (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ )).

    14
    ـ في المثل توالي أسباب كثيرة خفية وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكره، فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به، وظهرت بذلك فصاحته، فالكلام الذي تكون حركاته سهلة ومتتالية غير الكلام الذي يكون فيه بين وقت وآخر السكون، كما في الآية: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) لكن في المثل: القتل أنفى للقتل. يقول: فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به، وظهرت بذلك فصاحته، بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون، فالحركات تنقطع. يقول: نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا تطيق إطلاقها، ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة. إذاً: هذا الفرق أيضاً من حيث اللغة، فالقتل أنفى للقتل غير (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ).

    15
    ـ المثل كالمتناقض من حيث الظاهر؛ لأن الشيء لا ينفي نفسه، فقولهم: القتل أنفى للقتل، هل الشيء ينفي نفسه؟! الشيء لا ينفي نفسه، فهذا فيه تناقض من حيث الظاهر. الحادي عشر: سلامة الآية من تكرير القاف، وبعدها عن غنة النون.

    16
    ـ تفيد هذه الكلمة "القصاص" بصيغتها "صيغة المفاعلة" ما يشعر بوجوب التحقيق وتمكين القاتل من المنازعة والدفاع، وألا يكون قصاص إلا باستحقاق وعدل؛ ولذا لم يأت بالكلمة من اقتص مع أنها أكثر استعمالًا؛ لأن الاقتصاص شريعة الفرد، والقصاص شريعة المجتمع.

    17
    ـ بدأ الآية بقوله (( وَلَكُمْ)) ، وهذا قيد يجعل هذه الآية خاصة بالإنسانية المؤمنة التي تطلب كمالها في الإيمان، وتلتمس في كمالها نظام النفس، وتقرر نظام النفس بنظام الحياة؛ فإذا لم يكن هذا متحققًا في الناس فلا حياة في القصاص، بل تصلح حينئذ كلمة الهمجية: القتل أنفى للقتل، أي اقتلوا أعداءكم ولا تدعوا منهم أحدًا، فهذا هو الذي يبقيكم أحياء وينفي عنكم القتل؛ فالآية الكريمة بدلالة كلمتها الأولى موجهة إلى الإنسانية العالية، لتوجه هذه الإنسانية في بعض معانيها إلى حقيقة من حقائق الحياة.

    18
    ـ من إعجاز لفظة القصاص هذه أن الله -تعالى- سمى بها قتل القاتل، فلم يسمه قتلًا كما فعلت الكلمة العربية؛ لأن أحد القتلين هو جريمة واعتداء، فنزه -سبحانه- العدل الشرعي حتى عن شبهه بلفظ الجريمة؛ وهذا منتهى السمو الأدبي في التعبير.

    19
    ـ ومن إعجاز هذه اللفظة أنها باختيارها دون كلمة القتل تشير إلى أنه سيأتي في عصور الإنسانية العالمة المتحضرة عصر لا يرى فيه قتل القاتل بجنايته إلا شرًّا من قتل المقتول؛ لأن المقتول يهلك بأسباب كثيرة مختلفة، على حين أن أخذ القاتل لقتله ليس فيه إلا نية قتله؛ فعبرت الآية باللغة التي تلائم هذا العصر القانوني الفلسفي، وجاءت بالكلمة التي لن تجد في هذه اللغة ما يجزئ عنها في الاتساع لكل ما يراد بها من فلسفة العقوبة.

    20
    ـ ومن إعجاز اللفظة أنها كذلك تحمل كل ضروب القصاص من القتل فما دونه، وعجيب أن تكون بهذا الإطلاق مع تقييدها بالقيود التي مرت بك؛ فهي بذلك لغة شريعة إلهية على الحقيقة، في حين أن كلمة القتل في المثل العربي تنطق في صراحة أنها لغة الغريزة البشرية بأقبح معانيها؛ وبذلك كان تكرارها في المثل كتكرار الغلطة؛ فالآية بلفظة القصاص تضعك أمام الألوهية بعدلها وكمالها، والمثل بلفظة القتل يضعك أمام البشرية بنقصها وظلمها.

    21
    ـ ولا تنس أن التعبير بالقصاص تعبير يدع الإنسانية محلها إذا هي تخلصت من وحشيتها الأولى وجاهليتها القديمة، فيشمل القصاص أخذ الدية والعفو وغيرهما؛ أما المثل فليس فيه إلا حالة واحدة بعينها كأنه وحش ليس من طبعه إلا أن يفترس.

    22
    ـ جاءت لفظة القصاص معرفة بأداة التعريف، لتدل على أنه مقيد بقيوده الكثيرة؛ إذ هو في الحقيقة قوة من قوى التدمير الإنسانية فلا تصلح الإنسانية بغير تقييدها.

    23
    ـ إن لفظ "حياة" هو في حقيقته الفلسفية أعم من التعبير "بنفي القتل"؛ لأن نفي القتل إنما هو حياة واحدة، أي ترك الروح في الجسم، فلا يحتمل شيئًا من المعاني السامية، وليس فيه غير هذا المعنى الطبيعي الساذج؛ وتعبير الكلمة العربية عن الحياة "بنفي القتل" تعبير غليظ عامي يدل على جهل مطبق لا محل فيه لعلم ولا تفكير، كالذي يقول لك: إن الحرارة هي نفي البرودة.
    جمع وتلخيص : أسد الله الغالب
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X