تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[1].
وقع خلاف في قضية آزر هل هو عم أو أب لإبراهيم عليه السلام؟
فذكر في القرآن بلفظ أبيه آزر والقصد منه غير والده كما هو المتأكد من آيات عدة فاطلاق الاب على صنو الاب وهو العم، والخالة على الام شايع في لغة العرب وفي القرآن ايضا قد اطلق الام على الخالة كما في سورة يوسف عليه السّلام وذلك قوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾[2]، مع أن المراد خالة يوسف عليه السّلام وهي ام اخوانه وأما امه فماتت بوضع بنيامين ولعل هذا العم كان أبا في التربية ايضا وعلى أي حال فاسم ابيه (تارخ) وهو لا يكون من المشركين على مذهبنا ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾[3]، أي رأى انقلاباتك في ظهور الساجدين خطابا الى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا وجه لتخطئة اهل الكتاب بأن والد ابراهيم عليه السّلام ما كان آزر بل كان تارخ لما ذكر وكذا لا وجه لما قاله بعض من أن (آزر) كان لقبا والاسم كان (تارخ) لما سبق، مع أن اللقب لا بد ان يكون دالا على صفة ممدوحة او مذمومة ولا اشعار هنا، فقد بدأ قومه ومنهم آزر المسمى ب «أبيه» بالتنديد على عبادة الأصنام ﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾، ورغم الحظر عن الاستغفار للمشركين يعده الاستغفار حين يتلمح من كلامه معه أنه في حالة التحري: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾[4]، ولقد أنجز له وعده قبل ان يتبين له أنه عدو لله: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾[5]، إذ قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾[6].
ذلك، فقد تبرأ منه حتى آخر عمره وانجاز أمره، ولكنه نسمعه حين يرفع القواعد من البيت هو وإسماعيل يدعو لوالديه: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾[7].
إذا فوالده هنا غير أبيه هناك، فهو عمه دون والده، ولا جده من أمه لأنه ايضا والده، وإلاّ لكان نقضا لعصمة الجليل والخليل حيث أنبأ: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾، وقضية طليق التبرؤ ألا يستغفر لآزر، فلما استغفر لوالديه في آخر عمره ونهاية أمره وقد تبين أن آزر عدو للّه نتأكد أن والده غير المعني بأبيه.
و ﴿..أَتَتَّخِذُ أَصْناماً﴾، منكرة هي من صنع المصنوعين، تتخذها ﴿آلِهَةً﴾، كما الله، إشراكا لها بالله، ﴿إِنِّي أَراكَ وقَوْمَكَ﴾، التابعين لك ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، يبين ضلاله لأصحاب الفطر والعقول.
هنا ﴿أَصْناماً﴾ منحوتة بأيديهم وما أشبه من المصنوع، تنكير لنكير الأصنام، تنكيرا فطريا وعقليا بل وحسيا لاتخاذها آلهة، فهو استفهام انكاري بأشده، منقطع النظير بأشدّه، يستأصل الأصنام وأضرابها عن كافة شؤون الألوهية.
فاحتجّ سبحانه على المشركين بأحوال إبراهيم عليه السلام حيث إنّ الكلّ معترفون بفضله ويدّعون بأنّهم من أولاده، واليهود والنصارى يعظّمون له وهذه المرتبة المسلّمة عند أهل العالم لم يتّفق لأحد لأنّه عليه السلام سلّم قلبه للعرفان، وماله للضيفان، وبدنه للنيران، وولده للقربان، ولسانه للبرهان، وسأل ربّه فقال: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾[8]، فاستجاب الله دعاءه وحقّق مطلوبه وجعل جميع الطوائف والملل يعظّمونه معترفين بفضله حتّى المشركين يفتخرون بأنّهم أولاده.
[1] سورة الأنعام، الآية: 74.
[2] سورة يوسف، الآية: 100.
[3] سورة الشعراء، الآية: 219.
[4] سورة مريم، الآيتان: 46-47.
[5] سورة الشعراء، الآية: 86.
[6] سورة التوبة، الآيتان: 113-114.
[7] سورة إبراهيم، الآية: 41.
[8] سورة الشعراء، الآية: 84.