بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾[1].
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، يبين الباري عز وجل الكيفية التكوينية لبدء حضور الظالمين كبقية الناس الى عرصة يوم القيامة؛ ومعناه: أي نقول للواردين بعد انتقالهم من الدنيا الى الاخرة: لقد جئتم الينا منفردين بدون مال وملك وقدرة وجاه وعزة وثروة وكبر وانانية وخيلاء ونحوها، لكون التمام من الاعراض وقد زالت عنكم، وحالكم من الفقدان كاليوم الذى خلقناكم وكنتم في ذلك اليوم حفاة عراة عاجزين من جميع الجهات فكذلك اليوم، ﴿وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾، وهي الدنيا، أي لو كنتم عاملين بأوامري ومطيعين لي ولأنبيائي لكان الامر على عكس ذلك فللعقائد الحسنة والاخلاق الطيبة والاعمال الصالحة لكل منها حقيقة نورانية والواجد لها له جنود كثيرة بهيئة الوجه والمنظر قوية التأثير مسموعة الكلمة في تلك الدار وكان له من حلل الجنة ما لا يحصى، ومن الغلمان والحور ما لا يعد، ومن النعماء ما لا يقطع ولا يمنع منه.
ولما ادبرتم عن الكل أدبر الكل عنكم وجئتم منفردين من النعماء والكمالات التي هي المقصود هنا، وإلا فلا يكون فرادى بل مع الاغلال والسلاسل والكلاب والخنازير ونحوها من الاشياء الحاصلة من عقائدهم واخلاقهم عاذنا الله منها.
وقد ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ: يَحْكِي فِيهِ مَا صَنَعَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِفَاطِمَةَ أُمِّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ لَمَّا تُوُفِّيَتْ يَقُولُ فِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((قَالَ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: وَإِنِّي ذَكَرْتُ اَلْقِيَامَةَ وَإِنَّ اَلنَّاسَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا، فَقَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهْ فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَبْعَثَهَا اَللهُ كَاسِيَةً، وَذَكَرْتُ ضَغْظَةَ اَلْقَبْرِ فَقَالَتْ: وَاضَعْفَاهْ فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَكْفِيَهَا اَللهُ ذَلِكَ فَكَفَّنْتُهَا بِقَمِيصِي وَاِضْطَجَعْتُ فِي قَبْرِهَا لِذَلِكَ))[2].
ثم يخاطبهم الله تقريعا وتبكيتا بقوله: ﴿وما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ﴾، وهم شركاء الله بزعمكم أي لأجل أي جهة لم نرهم؛ والحال أنكم من اتباعها وكل رئيس يحب اتباعه وكل معبود يذهب الى عابده ويتوجه اليه بنظر العناية ولا مانع لهذه الشركاء من رفقتهم معكم؛ لكونهم قادرين وشركاء الله وكل إله يكون قادرا فبئس ما زعمتموه؛ وقد قطع الاتصال بينكم وبين هذه الالهة، وفقد عنكم آلهتكم الخيالية الزعمية وأما الله فمع كل شيء من الاشياء وبه قوامها وحدوثها وبقائها.
فهو مع الحب يفلقه ليحصل له الكمال ويصل الى مرتبة الزرع ويصير الواحد سبعمائة أو ازيد أو اقل ومع النوى يفلقها لحصول النخيل والكروم وسائر الاشجار ويعطي كل سنة فوق تلك النوى بألف أو ازيد. ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ..﴾[3]، كالإنسان وسائر الحيوانات من النطفة والطيور من البيض، فالحيوان والطيور احياء والنطفة والبيض اموات لعدم الحيوة فيها وعدم الدرك والحس فالموصل للميت الى درجة الحي هو الله ففي تكملة الآية من سورة الروم: ﴿.. وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، كالنطفة تخرج من الانسان والحيوان والبيض من الطيور للالتذاذ الخارج منه ولتنعم الخلق من بعض اقسامه ولأجل صيرورة هذا الميت منشأ لحياة اخرى، ﴿ذلِكُمُ اَللّٰهُ﴾، أي ما لا ينفك عن شيء من الاشياء والمتصرف فيها على الدوام لا ما يفارق الانسان وكذا غيره فبأي جهة تتوجهون، تتوجهون الى المفارق الدائر ولا تتوجهون الى الدائم الحافظ لك المعطي اليك دائما؟
هو الذي يفلق الصبح ويريكم عمود النور من الظلمة بإدارة فلك الشمس أو الشمس أو الارض وجاعل الليل للاستكانة أما للإنسان والحيوان فواضح، وأما للباقي فلعدم وصول الحرارة اليها، وسكون تأثير الحرارة، اذ لولا ذلك السكون واتصلت الحرارة دائما لفسدت الأشياء من النباتات وغيرها، بل الانسان والحيوان ايضا بأبدانهما.
[1] سورة الأنعام، الآية: 94.
[2] الكافي، ج 1، ص 453.
[3] سورة الروم، الآية: 19.