اللهم صل على محمد وآل محمد
قوله تعالى :﴿وَالّذينَ كَفَرُوا أعْمالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَمآنُ ماءً حَتّى إذَا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوفّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الحِسَابِ﴾.(1)
"السراب" :
ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنّه ماء يجري .
"القيعة" :
بمعنى القاع أو جمع قاع، وهو المنبسط المستوي من الأرض، والظمآن هو العطشان.
- يشبه سبحانه أعمال الكفار تارة بالسراب كما في هذه الآية، وأُخرى بالظلمات كما في التمثيل الآتي، ولعلّ المشبه في الأوّل هو حسناتهم، وفي الثاني قبائح أعمالهم.
- فقد وصف الظمآن بصفات عديدة
1- الأولى :
حسبان السراب ماءً ،كما قال سبحانه: ﴿كَسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء﴾.
2- الثانية :
إذا وصل إلى السراب لم يجده شيئاً نافعاً، كما قال سبحانه ﴿حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً﴾ وإنّما خصّ الظمآن به مع أنّ السراب يتراءى ماء لكلّ راءٍ، لأن المقصود هو مجيء الرائي إلى السراب، ولا يجيئه إلاّ الظمآن ليرتوي ويرفع عطشه.
3- الثالثة :
عند ما يشرف على السراب لا يجد فيه ماءً، ولكن يجد الله سبحانه عنده، كما قال سبحانه: ﴿وَوَجد الله عنده﴾.
وأمّا من عبد غيره و قدم إليه القربات راجياً الانتفاع به، فهو كرجاء الظمآن الذي يتصوّر السراب ماءً فيجيئه لينتفع به ولكنّه سرعان ما يرجع خائباً.
إلى هنا تمَّ ما يشترك فيه الظمآن والكافر، أي المشبه به والمشبه، ولكن المشبه، أعني: الكافر الذي شبه بالظمآن فهو يختص بأُمور أُخرى.
أولاً: انّه عند مجيئه إلى الانتفاع بأعماله يجد الله هو المجازي لا غير.
وثانياً: انّه سبحانه يجزيه بأعماله.
وثالثاً: فيوفيه حسابه.
وما ذلك إلاّ لأنّ الله سريع الحساب.
وعلى ضوء ما ذكرنا فقد أُريد من الظمآن الاسم الظاهر الظمآن الحقيقي، وأُريد من الضمائر الثلاثة في "وجد" "وفّاه " "حسابه" الظمآن المجازي أعني الكافر الخائب.
( آية الله الشيخ جعفر السبحاني )