بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1
نتكلم ان شاء الله حول العلاقة الزوجية والثراء العاطفي، وذلك من خلال محاور ثلاثة:
1. العلاقة الزوجية في الرؤية القرآنية.
2. سر العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة.
3. ركائز العلاقة الزوجية الناجحة.
المحور الأول: العلاقة الزوجية في الرؤية القرآنية
في السنوات الأخيرة، صار هناك بحث حول الزواج: هل هو ضروري للإنسان أو ليس ضرورياً؟ الحركة النسوية عارضت مبدأ الزواج، وقالت بأن الزواج سجن للمرأة، يقضي على طموحاتها ويقتل أحلامها، ويجعلها بَذْلَةً رخيصة للرجل، فعلى المرأة أن تتحرر من الزواج.
وذهب أيضاً بعض الباحثين إلى أن الزواج ضروري، ولكنه ضروري لأجل علاقة الاستمتاع الجنسي فقط، أي أن الإنسان محتاج إلى فرصة مؤقتة للاستمتاع الجنسي، وليس محتاجاً إلى تأسيس علاقة أسرية أو علاقة زوجية مبنية على تبادل الحقوق والواجبات. لذلك ترى كثيرًا من شبابنا وشاباتنا الآن لديهم عزوف عن الزواج، يقولون: لماذا أقحم نفسي في المشاكل والخلافات؟ لماذا أقحم نفسي في عالم لا أدري ما هي نهايته؟ أكتفي بأن أعيش وحيداً وأدير أموري وحيداً.
بينما قسم من علماء الاجتماع يرون أن الزواج كعلاقة وظيفية، كمؤسسة قائمة على طرفين بينهما حقوق وواجبات.
عندما نأتي لعلماء النفس، ما زال علماء النفس يؤكدون على أن الزواج عنصر ضروري لحياة الإنسان، وليس مجرد علاقة جنسية، وليس مجرد ارتباط عاطفي مؤقت، وليس بمؤسسة مالية قائمة على حقوق وواجبات. الزواج أكبر من أن يكون مؤسسة قائمة على تبادل الحقوق والواجبات، هو ليس وظائف موزعة على الطرفين، بل هو علاقة إنسانية أعمق من ذلك. الزواج علاقة إنسانية مثلى توفر لكل من الطرفين رصيداً من الاستقرار النفسي، والهدوء والسكينة وهذا ما يؤكده القرآن الكريم.
القرآن الكريم يرى أن الزواج أسمى العلاقات الإنسانية وأقواها، وذلك من خلال آيتين من القرآن الكريم:
الآية الأولى: ﴿ ... هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ... ﴾ 3
حاجة الإنسان إلى اللباس حاجة ضرورية في الحياة؛ لأن اللباس يقيه من الحر والبرد، والزواج يقي كل من الطرفين من الانحراف والعلاقات الجنسية غير المشروعة. اللباس زينة للإنسان، كذلك الزواج، المرأة الصالحة زينة للرجل، والرجل الصالح زينة للمرأة، كل منهما زينة للآخر، كل منهما مظهر جميل للآخر. إذا وجدت رجلاً متوازناً فاعرف أن وراءه امرأة متوازنة، وإذا وجدت امرأة متوازنة فاعرف أن وراءها رجلاً متوازناً، كل منهما يعطي التوازن والهدوء والاستقرار للآخر.
الآية الثانية: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1
الزواج آية من آيات الله، عندما نقرأ الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ 4
كل هذه الآيات في سياق واحد وهو التصميم الهادف لخلق علاقة التكامل. الوجود كله تصميم هادف، هذا الوجود وراءه مصمم، هذا المصمم صمم الوجود لهدف وذلك الهدف هو إيجاد علاقة التكامل بين أجزاء الوجود، كل جزء من الوجود يكمل الجزء الآخر، الوجود خُلق وصُمم لهدف التكامل بين أجزائه.
مثلاً عندما يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ علاقة السماء والأرض علاقة تكامل، علاقة السماء والأرض قائمة على قوتين: قوة سالبة وهي قوة الجاذبية التي ببركاتها انتظمت النجوم والمجموعات الشمسية، وقوة موجبة وهي ثلاث قوى: الطاقة الكهرومغناطيسية، القوة النووية الشديدة، القوة النووية الضعيفة. كل قوة من هذه القوى تسهم في الحياة على الأرض.
مثلاً الطاقة الكهرومغناطيسية هي التي تدير حياتنا على هذا الكوكب، والقوة النووية الشديدة هي التي تحدث في النجوم العملاقة وفي المفاعلات النووية لتوليد الطاقة، والقوة النووية الضعيفة هي التي تحرك القشرة الأرضية وتسهم في الزلازل والبراكين والفيضانات والجبال، لا تُعتبر الزلازل والبراكين شراً بل هي خير؛ لأن استقرار الأرض يتوقف على حدوثها. زلزال يحدث في منطقة ما يُحدث استقراراً في القشرة الأرضية في منطقة أخرى. القوة النووية الضعيفة التي تسهم في تحريك القشرة الأرضية وتحدث زلازل وبراكين وفيضانات، وتكوّن الجبال والتلال على الأرض هي أيضاً تسهم في استقرار الأرض.
إذن العلاقة بين السماء والأرض القائمة على هاتين القوتين هي علاقة تكامل، الأرض تحتاج السماء، والسماء تحتضن الأرض، بينهما علاقة التكامل.
أيضاً عندما نأتي إلى قوله تعالى: ﴿ ... وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ... ﴾ 5
الألسن والألوان تعبير عن الطاقات، اختلاف الألسن والألوان يعني اختلاف الطاقات البشرية، من آياته اختلاف طاقاتكم، أنتم طاقات مختلفة، خلقكم طاقات متفاوتة من أجل أن تتكاملوا ويستفيد بعضكم من البعض الآخر.
قال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ 6 التعارف يعني تلاقح الطاقات والخبرات، الكل يتعارف على الآخر أي يستقي من خبراته وطاقته.
لذلك في المحاضرة في الليلة السابقة قلنا هناك حضارتان: حضارة إسلامية وحضارة مادية رأسمالية. هذا لا يعني أن بين الحضارتين صراعًا، بين الحضارتين تكامل وليس صراعًا. نحن لا نقول بنظرية هنتنغتون الذي يقول بأن العولمة تؤدي إلى الصراع، ولا بنظرية فوكوياما الذي يقول بأن العولمة تؤدي إلى الوحدة، نقول هناك حضارتان متأصلتان، بينهما علاقة التكامل والتلاقح في الخبرات والتجارب والآراء.
من هذا المنطلق وهو أن الوجود صُمم لهدف وهو هدف التكامل، أيضاً العلاقة الزوجية صُممت من قبل الله. الله لم يخلق ذكوراً فقط، ولم يخلق إناثاً فقط، خلق ذكوراً وإناثاً من أجل توليد علاقة زوجية هادفة، الهدف منها تكامل الذكر بالأنثى، وتكامل الأنثى بالذكر. ﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ... ﴾ 7 هذه الآية تؤكد على علاقة التكامل.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1 الخطاب موجه للذكر والأنثى، العلاقة الزوجية ضرورية للإنسان لأنه يحتاج إلى السكون والراحة، يحتاج إلى الرحمة والمودة، والأجواء الزوجية هي التي توفر له الرحمة والمودة والسكون والاطمئنان.
إذن العلاقة الزوجية بالرؤية القرآنية هي علاقة تكامل.
المصادر
1. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 21، الصفحة: 406.
3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 187، الصفحة: 29.
4. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآيات: 19 - 22، الصفحة: 406.
5. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 22، الصفحة: 406.
6. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 13، الصفحة: 517.
7. القران الكريم: سورة النساء (4)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 77.
يتبع المحور الثاني ....
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1
نتكلم ان شاء الله حول العلاقة الزوجية والثراء العاطفي، وذلك من خلال محاور ثلاثة:
1. العلاقة الزوجية في الرؤية القرآنية.
2. سر العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة.
3. ركائز العلاقة الزوجية الناجحة.
المحور الأول: العلاقة الزوجية في الرؤية القرآنية
في السنوات الأخيرة، صار هناك بحث حول الزواج: هل هو ضروري للإنسان أو ليس ضرورياً؟ الحركة النسوية عارضت مبدأ الزواج، وقالت بأن الزواج سجن للمرأة، يقضي على طموحاتها ويقتل أحلامها، ويجعلها بَذْلَةً رخيصة للرجل، فعلى المرأة أن تتحرر من الزواج.
وذهب أيضاً بعض الباحثين إلى أن الزواج ضروري، ولكنه ضروري لأجل علاقة الاستمتاع الجنسي فقط، أي أن الإنسان محتاج إلى فرصة مؤقتة للاستمتاع الجنسي، وليس محتاجاً إلى تأسيس علاقة أسرية أو علاقة زوجية مبنية على تبادل الحقوق والواجبات. لذلك ترى كثيرًا من شبابنا وشاباتنا الآن لديهم عزوف عن الزواج، يقولون: لماذا أقحم نفسي في المشاكل والخلافات؟ لماذا أقحم نفسي في عالم لا أدري ما هي نهايته؟ أكتفي بأن أعيش وحيداً وأدير أموري وحيداً.
بينما قسم من علماء الاجتماع يرون أن الزواج كعلاقة وظيفية، كمؤسسة قائمة على طرفين بينهما حقوق وواجبات.
عندما نأتي لعلماء النفس، ما زال علماء النفس يؤكدون على أن الزواج عنصر ضروري لحياة الإنسان، وليس مجرد علاقة جنسية، وليس مجرد ارتباط عاطفي مؤقت، وليس بمؤسسة مالية قائمة على حقوق وواجبات. الزواج أكبر من أن يكون مؤسسة قائمة على تبادل الحقوق والواجبات، هو ليس وظائف موزعة على الطرفين، بل هو علاقة إنسانية أعمق من ذلك. الزواج علاقة إنسانية مثلى توفر لكل من الطرفين رصيداً من الاستقرار النفسي، والهدوء والسكينة وهذا ما يؤكده القرآن الكريم.
القرآن الكريم يرى أن الزواج أسمى العلاقات الإنسانية وأقواها، وذلك من خلال آيتين من القرآن الكريم:
الآية الأولى: ﴿ ... هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ... ﴾ 3
حاجة الإنسان إلى اللباس حاجة ضرورية في الحياة؛ لأن اللباس يقيه من الحر والبرد، والزواج يقي كل من الطرفين من الانحراف والعلاقات الجنسية غير المشروعة. اللباس زينة للإنسان، كذلك الزواج، المرأة الصالحة زينة للرجل، والرجل الصالح زينة للمرأة، كل منهما زينة للآخر، كل منهما مظهر جميل للآخر. إذا وجدت رجلاً متوازناً فاعرف أن وراءه امرأة متوازنة، وإذا وجدت امرأة متوازنة فاعرف أن وراءها رجلاً متوازناً، كل منهما يعطي التوازن والهدوء والاستقرار للآخر.
الآية الثانية: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1
الزواج آية من آيات الله، عندما نقرأ الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ 4
كل هذه الآيات في سياق واحد وهو التصميم الهادف لخلق علاقة التكامل. الوجود كله تصميم هادف، هذا الوجود وراءه مصمم، هذا المصمم صمم الوجود لهدف وذلك الهدف هو إيجاد علاقة التكامل بين أجزاء الوجود، كل جزء من الوجود يكمل الجزء الآخر، الوجود خُلق وصُمم لهدف التكامل بين أجزائه.
مثلاً عندما يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ علاقة السماء والأرض علاقة تكامل، علاقة السماء والأرض قائمة على قوتين: قوة سالبة وهي قوة الجاذبية التي ببركاتها انتظمت النجوم والمجموعات الشمسية، وقوة موجبة وهي ثلاث قوى: الطاقة الكهرومغناطيسية، القوة النووية الشديدة، القوة النووية الضعيفة. كل قوة من هذه القوى تسهم في الحياة على الأرض.
مثلاً الطاقة الكهرومغناطيسية هي التي تدير حياتنا على هذا الكوكب، والقوة النووية الشديدة هي التي تحدث في النجوم العملاقة وفي المفاعلات النووية لتوليد الطاقة، والقوة النووية الضعيفة هي التي تحرك القشرة الأرضية وتسهم في الزلازل والبراكين والفيضانات والجبال، لا تُعتبر الزلازل والبراكين شراً بل هي خير؛ لأن استقرار الأرض يتوقف على حدوثها. زلزال يحدث في منطقة ما يُحدث استقراراً في القشرة الأرضية في منطقة أخرى. القوة النووية الضعيفة التي تسهم في تحريك القشرة الأرضية وتحدث زلازل وبراكين وفيضانات، وتكوّن الجبال والتلال على الأرض هي أيضاً تسهم في استقرار الأرض.
إذن العلاقة بين السماء والأرض القائمة على هاتين القوتين هي علاقة تكامل، الأرض تحتاج السماء، والسماء تحتضن الأرض، بينهما علاقة التكامل.
أيضاً عندما نأتي إلى قوله تعالى: ﴿ ... وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ... ﴾ 5
الألسن والألوان تعبير عن الطاقات، اختلاف الألسن والألوان يعني اختلاف الطاقات البشرية، من آياته اختلاف طاقاتكم، أنتم طاقات مختلفة، خلقكم طاقات متفاوتة من أجل أن تتكاملوا ويستفيد بعضكم من البعض الآخر.
قال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ 6 التعارف يعني تلاقح الطاقات والخبرات، الكل يتعارف على الآخر أي يستقي من خبراته وطاقته.
لذلك في المحاضرة في الليلة السابقة قلنا هناك حضارتان: حضارة إسلامية وحضارة مادية رأسمالية. هذا لا يعني أن بين الحضارتين صراعًا، بين الحضارتين تكامل وليس صراعًا. نحن لا نقول بنظرية هنتنغتون الذي يقول بأن العولمة تؤدي إلى الصراع، ولا بنظرية فوكوياما الذي يقول بأن العولمة تؤدي إلى الوحدة، نقول هناك حضارتان متأصلتان، بينهما علاقة التكامل والتلاقح في الخبرات والتجارب والآراء.
من هذا المنطلق وهو أن الوجود صُمم لهدف وهو هدف التكامل، أيضاً العلاقة الزوجية صُممت من قبل الله. الله لم يخلق ذكوراً فقط، ولم يخلق إناثاً فقط، خلق ذكوراً وإناثاً من أجل توليد علاقة زوجية هادفة، الهدف منها تكامل الذكر بالأنثى، وتكامل الأنثى بالذكر. ﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ... ﴾ 7 هذه الآية تؤكد على علاقة التكامل.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1 الخطاب موجه للذكر والأنثى، العلاقة الزوجية ضرورية للإنسان لأنه يحتاج إلى السكون والراحة، يحتاج إلى الرحمة والمودة، والأجواء الزوجية هي التي توفر له الرحمة والمودة والسكون والاطمئنان.
إذن العلاقة الزوجية بالرؤية القرآنية هي علاقة تكامل.
المصادر
1. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 21، الصفحة: 406.
3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 187، الصفحة: 29.
4. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآيات: 19 - 22، الصفحة: 406.
5. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 22، الصفحة: 406.
6. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 13، الصفحة: 517.
7. القران الكريم: سورة النساء (4)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 77.
يتبع المحور الثاني ....
تعليق