بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقرأ في القران الكريم هناك عدة ايات تحدثنا عن تطاير الكتب ؟
فماهو المقصود بتطاير الكتب هل تطاير صحائف الأعمال و إنتشارها و توزيعها في يوم القيامة ليصل كل كتاب إلى صاحبه ام غير ذلك .
تعالوا معي لنعرف هذه الحقيقة القرانية
مشهد تطاير الكتب في يوم القيامة
يقول الله عَزَّ و جَلَّ: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } 1.
إن الله العلي القدير يحاسب عباده يوم القيامة ثم يُخرج لكل واحد منهم صحيفة يُرسلها إلى صاحبها و هي تطير نحوه حتى يستلمها.
علامة السعادة و الشقاء
إن مشهد يوم القيامة مشهد فريدٌ من نوعه، و فيه توزع الكتب التي كُتبت فيها الأعمال صغيرها و كبيرها فيستلم كل إنسان كتابه إما بيمينه و إما بيساره حسب نوع أعماله و حسب الجزاء الذي حدده الله له، ذلك لأن السعيد يتلقى كتابه بيمينه فيكون علامة فوزه بالجنة، و أما الشقي فيتلقى كتابه من وراء ظهره فيكون علامة شقائه.
ثم أن هذا الكتاب سيكون ملازماً للإنسان بصورة دائمة و يكون له بمثابة الهوية الشخصية فلا يفارقه.
يقول جَلَّ جَلاله: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا } 2.
صحيفة الاعمال العجيبة
عندما يتلقى الإنسان صحيفة أعماله يجد صاحبها بأن أعماله كلها من خير و شر مثبَّتة فيه بدقة عالية حيث لا تغادر صغيرة و لا كبيرة، فيقف الإنسان مدهوشاً أمام هذه الصحيفة العجيبة، و هذه الصحيفة هي التي يعبَّر عنها بالكتاب، لأن كل أعمال الإنسان مكتوبة فيه، و كذلك الثواب و العقاب مكتوب فيه أيضاً.
قال عَزَّ مِنْ قائل: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } 3.
الاعتقاد بتطاير الكتب
بما أن تطاير الكتب من المسلَّمات فيجب الاعتقاد بها و ضرورة الاعتقاد بها كضرورة الاعتقاد بالنشور و القيامة و الحساب و الصراط و الجنة و النار و ما إليها، و لذا فقد ورد في بعض الأدعية استحباب تلقين الميت و تذكيره بهذه المعتقدات بعد وضعه في قبره بكلمات يعترف القارئ من خلال قراءتها بحقانية الأمور الإعتقادية المذكورة.
و لقد روى العلامة المجلسي في كتاب زاد المعاد ما يستحب تلقين الميت به و نحن نذكر شيئاً منها:
" ... اعْلَمْ يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى نِعْمَ الرَّبُّ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نِعْمَ الرَّسُولُ، وَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ أَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ الْأَحَدَ عَشَرَ نِعْمَ الْأَئِمَّةُ، وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَقٌّ، وَ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ، وَ سُؤَالَ مُنْكَرٍ وَ نَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ حَقٌّ، وَ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَ النُّشُورَ حَقٌّ، وَ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَ الْمِيزَانَ حَقٌّ، وَ تَطَايُرَ الْكُتُبِ حَقٌّ، وَ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَ النَّارَ حَقٌّ، وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" 4.
ما ينفع الإنسان عند تطاير الكتب
لا شك في أن زمان تطاير الكتب يعتبر من الاوقات الحساسة و المصيرية و من الطبيعي أن يكون الإنسان في ذلك الوقت قلقاً متحسباً و متوتراً، لأنه لا يعرف ما سيؤول إليه أمره من خير أو شر، لكن هناك أموراً نافعة للتخفيف عن الإنسان عند تطاير الكتب و في تلك الساعة المصيرية.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله):" مَنْ قَرَأَ فِي رَجَبٍ وَ شَعْبَانَ وَ رَمَضَانَ كُلَّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ، وَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، كُلَّ هَذِهِ السُّوَرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ عَلَى كُلِّ مَلَكٍ وَ نَبِيٍّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ.
قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه و آله): وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ السُّوَرَ وَ الْآيَاتِ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَا يَفُوتُهُ يَوْمٌ وَ لَيْلَةٌ لَوْ كَانَ ذُنُوبُهُ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَ قَطْرِ الْمَطَرِ وَ وَرَقِ الْأَشْجَارِ وَ عَدَدِ الرَّمْلِ وَ زَبَدِ الْبَحْرِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ.
وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الشُّهُورِ وَ قَرَأَ هَذِهِ السُّوَرَ وَ الْآيَاتِ يَوْمَ الْفِطْرِ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا عَبْدِي أَنْتَ وَلِيِّي حَقّاً حَقّاً حَقّاً وَ لَكَ عِنْدِي بِكُلِّ حَرْفٍ قَرَأْتَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ شَفَاعَةٌ فِي الْإِخْوَانِ وَ الْأَخَوَاتِ وَ لَوْ كَانَ ذُنُوبُهُمْ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ غَفَرْتُ لَهُمْ بِكَرَامَتِكَ عَلَيَّ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله): وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ عَبْداً قَرَأَ هَذِهِ السُّوَرَ وَ الْآيَاتِ فِي دَهْرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ يُعْطِيهِ اللَّهُ بِكُلِّ حَرْفٍ قَرَأَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ كُلُّ حَسَنَةٍ أَثْقَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جِبَالِ الدُّنْيَا، وَ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ السُّوَرَ وَ الْآيَاتِ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ يُعْطِيهِ اللَّهُ سَبْعَمِائَةِ حَاجَةٍ عِنْدَ النَّزْعِ، وَ سَبْعَمِائَةِ حَاجَةٍ فِي الْقَبْرِ، وَ سَبْعَمِائَةِ حَاجَةٍ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ، وَ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ تَطَايُرِ الْكُتُبِ، وَ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ، وَ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الصِّرَاطِ، وَ يُظِلُّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ... " 5.
و رُوِيَ عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي أنَّهُ قال: قال الرضا (عليه السَّلام): "من زارني على بُعد داري و مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصه من أهوالها: إذا تطاير الكتب يمينا و شمالا، و عند الصراط، و عند الميزان" 6.
المصادر
1. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 13 و 14، الصفحة: 283.
2. القران الكريم: سورة الإنشقاق (84)، الآيات: 7 - 12، الصفحة: 589.
3. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 49، الصفحة: 299.
4. زاد المعاد: 353، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الأعلمي ، بيروت / لبنان ، سنة : 1423 هجرية .
5. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 94 / 53 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
6. الوافي: 14 / 1546 ، لمحمد محسن بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني، المتوفى سنة: 1091 هجرية، طبعة مكتبة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، اصفهان / إيران ، سنة: 1406 هجرية.
تعليق