بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾[1].
في ميدان اللغة القصصية الحوار ينطوي على وظائف مهمة تجيء في مقدمتها: وظيفة الاستكشاف لأعماق الشخوص والوقائع.
لقد سردت الآية أولا قضية الحشر: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾، ثم خاطب تعالى الجن: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ﴾.
ومن خلال هذا السرد والحوار بين الله تعالى والأنس والجن نستخلص حقيقة فنية هي أنّ دخول عنصر الجن في ميدان العرض بسلوك المنحرفين قد تمّ بنحو ممتع فنيا وذلك من خلال قوله تعالى أولا : ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾، ثم من خلال مخاطبته الجنّ مباشرة، حيث يستخلص القارئ أن الحشر قد قصد منه حشر الإنس والجن وهذا طرح فني لتقديم المعرفة أو عرض الحقائق من خلال اللغة القصصية فبدلا من أن تقول لنا الآية: أن الحشر يشمل الإنس والجن، وجّه تعالى خطابا إلى الجن حتى نستخلص بأنهم داخلون في الحشر أيضا، وهذا واحد من أشد الطرائق الفنية إمتاعا كما هو واضح .
والحق، أن العنصر الفنيّ في هذا الميدان لم يقف عند الحقيقة المذكورة فحسب، بل تجاوز قضية إدخال الجن في المحشر، إلى عرض السلوك المنحرف لدى نوعي الإنس والجن، ثم علاقة بعضهما بالآخر.
والآن، ما هي هذه العلاقة الرابطة بينهما؟ لقد خاطب تعالى معشر الجنّ قائلا: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ﴾.
نستخلص من هذا الحوار أن عنصر الجن قد ساهم في تضليل الناس وتكثير عدد المنحرفين منهم.
وبعد أن طرح هذه الحقيقة أمامنا وهي حقيقة أن الجن ساهموا في تكثير عدد المنحرفين بدأ يكشف عن بعض التفاصيل المرتبطة بهذا الجانب، وذلك من خلال عنصر الحوار أيضا. والحوار قد تمّ على لسان الإنس بعد أن كان الحوار السابق قد تمّ من خلال توجيه الخطاب إلى الجن، وهذا التنوع في الحوار أي: توجيه الخطاب إلى الجن، وتسلّم الإجابة من الإنس يعدّ في القمة من الإثارة الفنية الممتعة كما هو واضح لأدنى من له خبرة ذوقية في لغة القصص.
حيث كان من الممكن عندما يخاطب الله الجن: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ﴾، أن يتلقّى الإجابة من الجن، ولكنه تلقى الإجابة من الإنس بهذا النحو: ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا﴾، ففي هذه الإجابة حقائق متنوعة في ميدان المعرفة بقضايا اليوم الآخر وانعكاسات السلوك الدنيوي عليه، إلاّ أننا قبل أن نتحدث عن هذا الجانب، قد استهدفنا الإشارة إلى الإمتاع الفني لهذا النمط من الحوار المتنوع تقديم السؤال إلى الجن، وتلقّي الإجابة من الإنس، ومن ثم ينبغي ألاّ نغفل من خلال عمارة السورة القرآنية الكريمة عن هذا النمط من العرض الفني الذي ربط بين سلوك الجن وبين سلوك الإنس الذين شكّلوا محور السورة الكريمة في عرضها لمختلف أنماط الانحراف، مما يفصح ذلك عن مدى إحكام الآية وتلاحم جزئياتها بعضا مع الآخر.
هذه المحاورة بين الله تعالى وبين البشر تنطوي على وظائف فنية متنوعة، منها: لماذا أجاب الإنس بدلا من الجن عندما يوجّه الله تعالى السؤال إلى الجن في تضليلهم للبشر؟ لا نحتاج إلى أدنى تأمل حتى ندرك بأن السر الفني في عدم الإجابة هو أن المستهدف هو عنصر الإنس بالنسبة إلى المحاكمة، أما عنصر الجن فله شأن آخر في المحاكمة ليست الآية في صدده، بل أن الآية تستهدف تقديم حقيقة هي أن الجن ساهم في تكثير عدد المنحرفين لا نغفل أن الآية تحدثت عن معاصري رسالة الإسلام.
وعليه فإذا كان الأمر كذلك، فنتوقع أن يجيب الإنس بدلا من الجن على السؤال المتقدم، ومن ثمّ نجد أن إجابة البشر تحدد العلاقة النفعية أي المصالح المتبادلة بين الجن والإنس.
[1] سورة الأنعام، الآية: 128.